في خطوة غير مسبوقة منذ أكثر من عقد، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن توقيع أمر تنفيذي ينهي بموجبه العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا، ويفتح الباب أمام مرحلة جديدة من العلاقات الإقليمية والدولية.
ويأتي هذا القرار بعد لقاء تاريخي جمع ترامب بالرئيس السوري الجديد أحمد الشرع في السعودية خلال مايو/أيار الماضي، في أول اجتماع رسمي بين رئيس أمريكي ونظيره السوري منذ أكثر من 25 عامًا.
التقارب الجديد بين واشنطن ودمشق أثار حالة من الترقب في الأوساط السياسية والدبلوماسية، خاصة وأنه يأتي في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات كبرى، وتحديات أمنية متصاعدة أبرزها تهديدات التنظيمات الإرهابية والملفات النووية المعقدة.
ورغم رفع العقوبات عن الحكومة السورية، أوضحت المتحدثة باسم البيت الأبيض أن العقوبات الأمريكية ستظل قائمة على شركاء النظام السابق، بمن فيهم منتهكو حقوق الإنسان، وتجار المخدرات، وأطراف مرتبطة بأنشطة كيميائية وتنظيم داعش.
الرئيس ترامب أكد، في تصريحات لاحقة، التزامه بدعم "سوريا مستقرة وموحدة تعيش في سلام مع نفسها ومع جيرانها"، مشيراً إلى أن هذه الخطوة تمثل وفاءً بوعده للشعب الأمريكي بدفع مسارات السلام في الشرق الأوسط إلى الأمام.
كما دعا الرئيس الأمريكي نظيره السوري أحمد الشرع إلى الانضمام إلى "اتفاقيات أبراهام" مع إسرائيل، في خطوة قد تمهد لتحالفات جديدة في المنطقة وتعيد ترتيب موازين القوى السياسية.
قالت كارولين ليفيت، المتحدثة باسم البيت الأبيض، في بيان رسمي مساء الإثنين 30 يونيو 2025، إن الرئيس دونالد ترامب سيوقع على أمر تنفيذي ينهي العقوبات المفروضة على سوريا منذ سنوات، ما يمثل تحولا كبيراً في السياسة الأمريكية تجاه دمشق.
وأكدت ليفيت أن العقوبات ستظل مفروضة على شركاء الرئيس السوري السابق بشار الأسد، وكل من يثبت تورطه في انتهاكات حقوق الإنسان أو أنشطة مرتبطة بالإرهاب والمخدرات، أو استخدام الأسلحة الكيميائية، أو أي صلة بتنظيم داعش أو الجماعات التابعة له، وكذلك وكلاء إيران في المنطقة.
وأضافت أن هذا القرار يأتي عقب اللقاء الذي جمع ترامب بالرئيس السوري أحمد الشرع، خلال زيارته الأخيرة إلى منطقة الشرق الأوسط، حيث بحث الطرفان سبل إعادة الإعمار، وإحياء جهود السلام في سوريا، بما يعزز استقرار المنطقة ككل.
وكان ترامب قد أعلن، في مايو/أيار الماضي، عن نيته إنهاء العقوبات على سوريا، كجزء من خطة موسعة لدعم إعادة إعمار البلاد، وهو الإعلان الذي قوبل بترحيب كبير من الحكومة السورية، التي وصفته بأنه "نقطة تحول محورية".
وشهدت العلاقات السورية الأمريكية توتراً كبيراً منذ اندلاع الأزمة السورية في 2011، وتصاعد التوتر مع فرض سلسلة من العقوبات الاقتصادية والسياسية، طالت مسؤولين ومؤسسات حكومية سورية على مدار سنوات، وامتدت آثارها لتشمل قطاعات حيوية كالصحة والطاقة.
اللقاء بين ترامب والشرع اعتُبر بمثابة كسر للجليد، لا سيما وأنه الأول من نوعه منذ أكثر من ربع قرن، وقد تناول بحسب مصادر البيت الأبيض ملفات حساسة، من بينها إعادة اللاجئين، والتعاون الأمني، والانفتاح السياسي الداخلي في سوريا.
في سياق متصل، كشفت تقارير أن الرئيس الأمريكي شجع الرئيس السوري على توقيع "اتفاقيات أبراهام" مع إسرائيل، مشيداً بما وصفه بـ"الإصلاحات الواعدة" في سوريا، التي يقودها الشرع منذ توليه منصبه.
ويرى مراقبون أن الخطوة الأمريكية تحمل رسائل متعددة، أبرزها توسيع نطاق اتفاقيات التطبيع في الشرق الأوسط، والحد من النفوذ الإيراني في سوريا، بالإضافة إلى تقليص دور روسيا بشكل غير مباشر من خلال إعادة تأهيل النظام السوري دبلوماسياً بدعم أمريكي.
من جهة أخرى، لم تصدر حتى الآن ردود فعل رسمية من إيران أو روسيا بشأن القرار الأمريكي، فيما تسود حالة من الترقب على الساحة الإقليمية والدولية لمآلات هذا التحول، لا سيما في ظل استمرار النزاعات في المنطقة.
ويرى محللون أن هذا القرار قد يكون بداية لتحولات أكبر في خارطة التحالفات، وربما تمهيدًا لإعادة سوريا إلى الحظيرة الدولية، بعد سنوات من العزلة والعقوبات التي أثقلت كاهلها اقتصادياً وسياسياً.
وفي ختام البيان، أكدت ليفيت أن "الرئيس ترامب أوفى بوعده، وهذه ليست سوى بداية لخطوات أوسع نحو شرق أوسط آمن ومزدهر"، في إشارة إلى استراتيجية أمريكية جديدة قد تعتمد على دمج خصوم الأمس في مسارات السلام الشامل.