دراسات وأبحاث

"الردع النووي أم تهديد البشرية؟ مليارات الدولارات تُنفق لتحديث الترسانة النووية"

الإثنين 30 يونيو 2025 - 12:18 م
ابراهيم ياسر
الأمصار

في عالم متغير يشهد تصاعدًا في التوترات الجيوسياسية، لا تزال الأسلحة النووية تمثل أداة الردع الأقوى في ترسانات القوى العظمى.

 ورغم الدعوات الدولية لنزع السلاح النووي، فإن الإنفاق على هذه الأسلحة يواصل الارتفاع بشكل مقلق. ووفقًا لتقرير صادر عن "الحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية" (ICAN)، تجاوزت النفقات العالمية على الأسلحة النووية 91 مليار دولار خلال عام 2023 فقط، بزيادة تقدر بـ13% عن العام السابق.

لكن من هي الدول التي تقود هذا السباق؟ ولماذا يزداد الإنفاق رغم التحديات الاقتصادية والأزمات العالمية؟

الولايات المتحدة: الريادة في الإنفاق والتحديث

تتصدر الولايات المتحدة القائمة بوصفها الأكثر إنفاقًا على الأسلحة النووية، حيث بلغت موازنتها في هذا المجال نحو 51.5 مليار دولار في عام 2023، أي ما يعادل أكثر من نصف إجمالي الإنفاق العالمي.

هذا المبلغ الضخم يُخصص لتحديث الترسانة النووية، بما في ذلك صواريخ "مينيوتمان 3" العابرة للقارات، والغواصات النووية من طراز "كولومبيا"، وطائرات القاذفة B-21. وتبرر واشنطن هذا الإنفاق بالحاجة إلى الحفاظ على "الردع الاستراتيجي" في مواجهة التهديدات القادمة من الصين وروسيا، إلى جانب استثمار شركات الأسلحة الأميركية العملاقة مثل "لوكهيد مارتن" و"نورثروب غرومان".

"الصين" صعود نووي سريع

في المرتبة الثانية تأتي الصين، التي رفعت إنفاقها النووي إلى 11.9 مليار دولار، بزيادة تفوق 17% عن العام السابق. وتشير تقديرات استخباراتية أميركية إلى أن الصين تعمل على توسيع ترسانتها النووية بشكل غير مسبوق، وتسعى لامتلاك أكثر من 1000 رأس نووي بحلول 2030.

ويتمثل التوجه الصيني في امتلاك قوة ردع نووية كاملة تعتمد على "ثالوث نووي" يتضمن صواريخ برية، وغواصات، وطائرات استراتيجية. 

ويُعتقد أن بكين تسعى إلى تعزيز موقعها في أي مفاوضات مستقبلية حول التوازن النووي، لاسيما في ظل تصاعد النزاع مع واشنطن في بحر الصين الجنوبي وتايوان.

روسيا: تحديث رغم الضغوط المفروضة 

رغم العقوبات الغربية والحرب الدائرة في أوكرانيا، حافظت روسيا على موقعها كثالث أكبر المنفقين على الأسلحة النووية، بميزانية تقدر بـ8.3 مليار دولار. ويبدو أن موسكو تركز على تحديث أسلحتها الاستراتيجية، وعلى رأسها صاروخ "سارمات" الثقيل، والغواصات النووية من طراز "بوري".

يُذكر أن روسيا تمتلك أكبر مخزون نووي في العالم، لكن معظم ترسانتها يعود إلى الحقبة السوفيتية، ما يستدعي عمليات تحديث ضخمة لضمان فعالية الردع.

بريطانيا وفرنسا: إنفاق بحجم التأثير

المملكة المتحدة أنفقت نحو 6.5 مليار دولار على برامجها النووية، تركز بشكل أساسي على صيانة وتحديث غواصاتها المسلحة بصواريخ "ترايدنت"، وهي تمثل الأساس الوحيد للردع النووي البريطاني.

أما فرنسا، فقد خصصت نحو 5.6 مليار دولار لتطوير قوتها النووية، لا سيما صواريخها البحرية والجوّية. وتُعد فرنسا الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي تملك ترسانة نووية، وتصر على الحفاظ عليها ضمن استراتيجيتها العسكرية المستقلة.

دول أخرى في النادي النووي

رغم صغر حجم ترسانتها، إلا أن دولًا مثل الهند وباكستان وإسرائيل تخصص ميزانيات متزايدة لتحديث قدراتها النووية.

الهند: أنفقت نحو 2.7 مليار دولار في إطار تعزيز صواريخها الباليستية وتطوير غواصات نووية.

باكستان: قدرت نفقاتها بنحو 1.1 مليار دولار، مع التركيز على الصواريخ التكتيكية.

إسرائيل: لا تعترف رسميًا بامتلاك أسلحة نووية، لكن تقديرات دولية تشير إلى إنفاق يناهز 1.2 مليار دولار سنويًا.

سباق لا يتوقف

تكشف هذه الأرقام عن حقيقة مقلقة: سباق التسلح النووي لم يتوقف قط، بل يتسارع بوتيرة مقلقة. الدول الكبرى لا تنظر إلى هذه الأسلحة فقط كأدوات دفاعية، بل كوسائل لتعزيز نفوذها السياسي والعسكري على الساحة الدولية.

وفي حين تدعو منظمات المجتمع المدني إلى نزع السلاح وتوقيع اتفاقيات تقيد التوسع النووي، يبدو أن الواقع يشير إلى العكس. فالإنفاق في تزايد، والمخاطر في تصاعد، بينما يظل الأمن الدولي رهينة "توازن الرعب" بين القوى النووية.