دراسات وأبحاث

خطوة تاريخية لإنهاء عقود من الصراع.. اتفاق سلام بين رواندا والكونغو الديمقراطية

السبت 28 يونيو 2025 - 12:05 م
ابراهيم ياسر
الأمصار

في خطوة طال انتظارها، أعلنت جمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية رواندا توقيع اتفاق سلام تاريخي، برعاية إقليمية ودولية، يهدف إلى إنهاء سنوات طويلة من التوترات والصراعات المسلحة التي عصفت بالمنطقة الشرقية من الكونغو.

 وقد أسفرت عن آلاف القتلى وملايين النازحين، وجاء هذا الاتفاق بعد أشهر من المفاوضات الصعبة التي شاركت فيها دول الجوار وعدد من الوسطاء الدوليين، وعلى رأسهم الاتحاد الأفريقي ومنظمة المؤتمر الدولي لمنطقة البحيرات الكبرى.

 تاريخ من التعقيدات العرقية والسياسية

يعود أصل الخلاف بين رواندا والكونغو إلى تسعينيات القرن الماضي، حين اندلعت الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، وراح ضحيتها قرابة 800 ألف شخص، معظمهم من قبيلة التوتسي. 

ومع انهيار النظام الرواندي آنذاك، فرّ عدد كبير من عناصر الهوتو المتهمين بالمشاركة في الإبادة إلى شرقي الكونغو، التي كانت تُعرف آنذاك بزائير.

في شرق الكونغو، أعاد هؤلاء اللاجئون والمسلحون تنظيم صفوفهم وبدأوا بتنفيذ هجمات ضد الحكومة الرواندية الجديدة، الأمر الذي دفع كيغالي إلى التدخل عسكرياً في الأراضي الكونغولية، بحجة "مطاردة فلول الإبادة"، وهو ما تطور لاحقاً إلى دعم مباشر من رواندا لحركات متمردة في الكونغو، أبرزها "حركة 23 مارس" (M23)، التي شكلت صداعاً مزمناً لحكومة كينشاسا.

مسودة اتفاق سلام بين كيغالي وكنشاسا لإنهاء النزاع في شرق الكونغو وسط ترقب  دولي ومخاوف من انهيار مشابه لاتفاقات سابقة | منتهى نيوز

كما اتهمت كينشاسا مراراً رواندا بأنها تسعى لنهب الثروات الطبيعية الضخمة التي تزخر بها المنطقة الشرقية من الكونغو، بما في ذلك الذهب والكولتان، وهو معدن استراتيجي يستخدم في صناعة الهواتف المحمولة والتكنولوجيا الحديثة. في المقابل، تتهم رواندا الكونغو بإيواء ميليشيات الهوتو المعروفة باسم "قوات التحرير الديمقراطية لرواندا" (FDLR)، والتي تصفها كيغالي بأنها تهديد وجودي.

اتفاق سلام برعاية أمريكية

وقّعت رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية اتفاق سلام في واشنطن، بهدف إنهاء عقود من الصراع المدمر بين الجارتين، بينما تشير التوقعات إلى أن الاتفاق ربما سيمنح الولايات المتحدة حق الوصول إلى المعادن.

وعلى الرغم من فشل اتفاقيات السلام السابقة في المنطقة، إلا أن ذلك لم يثنِ الرئيسين الأمريكي والكونغولي عن اعتبار هذا الاتفاق انتصاراً.

وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم الجمعة، انتهى العنف والدمار، وبدأت المنطقة بأكملها فصلاً جديداً من الأمل والفرص".

رواندا والكونغو الديمقراطية توقعان اتفاق سلام أنهى صراعاً استمر 30 عاماً..  وترمب: إنه يوم رائع - TRT Global

أبرز النقاط الرئيسية حول الاتفاق

الاتفاق الجديد، الذي جرى توقيعه في العاصمة الأوغندية كمبالا، يتضمن عدة بنود رئيسية:

وقف إطلاق النار الفوري بين القوات الرواندية والكونغولية، وكذلك الميليشيات المدعومة من الطرفين.

انسحاب جميع القوات الأجنبية والمتمردة من الأراضي الكونغولية.

إطلاق حوار وطني داخلي في الكونغو يهدف إلى دمج بعض العناصر المسلحة في الجيش، وتسريح الباقين، مع توفير برامج إعادة تأهيل لهم.

نشر قوة مراقبة إقليمية من دول الاتحاد الأفريقي لمراقبة تنفيذ بنود الاتفاق وضمان عدم خرقه.

آلية تحقيق مشتركة لمتابعة الاتهامات المتعلقة بدعم الميليشيات، ونهب الثروات، وانتهاكات حقوق الإنسان.

كما نص الاتفاق على ضرورة احترام سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وهو ما يُعد استجابة مباشرة للاتهامات المتبادلة بين البلدين خلال السنوات الماضية.

اتفاق سلام بين رواندا والكونغو الديمقراطية ينهي صراع 30 عاما - سودافاكس

ردود الفعل الدولية والإقليمية

لاقى الاتفاق ترحيباً واسعاً من المجتمع الدولي. فقد أشاد الأمين العام للأمم المتحدة بالخطوة، واصفاً إياها بأنها "بداية لعهد جديد من السلام والتنمية في منطقة البحيرات الكبرى". 

كما رحبت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالاتفاق، وطالبتا الطرفين بالالتزام الكامل ببنوده، مشددين على ضرورة محاسبة المسؤولين عن الجرائم التي ارتُكبت خلال الصراع.

أما على الصعيد الإقليمي، فقد عبّرت عدة دول، من بينها أوغندا وبوروندي وتنزانيا، عن دعمها للاتفاق، وأبدت استعدادها للمساهمة بقوات في بعثة المراقبة الإقليمية.

ماكرون وصف اتفاق السلام بين الكونغو الديموقراطية ورواندا بأنه خطوة تاريخية  إلى الأمام

بداية جديدة أم هدنة مؤقتة

رغم الترحاب الكبير، إلا أن مراقبين يرون أن الطريق لا يزال طويلاً قبل تحقيق سلام دائم. فالميليشيات المنتشرة في شرق الكونغو تُقدّر بعشرات الآلاف من المقاتلين، بعضهم يتبع أجندات محلية وقبلية، والبعض الآخر مدعوم من أطراف خارجية.

كما أن الثقة بين كيغالي وكينشاسا لا تزال ضعيفة، ويخشى كثيرون من أن تنهار الاتفاقات كما حدث في السابق، خاصة إذا لم يتم تفعيل الآليات الرقابية الدولية وضمان شمولية الحوار الداخلي.

من ناحية أخرى، يرى البعض أن الاتفاق لن يكون مجدياً ما لم يُعالج السبب الجذري للصراع، وهو غياب التنمية الحقيقية في شرق الكونغو، وترك السكان عرضة للاستقطاب من قبل الميليشيات المسلحة التي تقدم لهم الأمن والعمل في مقابل الولاء.

وتشكل معاهدة السلام بين رواندا والكونغو فرصة تاريخية لإنهاء دوامة العنف التي حصدت أرواح الملايين، وعطّلت مسيرة التنمية في واحدة من أغنى مناطق العالم بالموارد الطبيعية. غير أن نجاح الاتفاق يعتمد بشكل كبير على حسن النية، وصدق الالتزام، ووجود ضغط دولي مستمر لضمان التنفيذ الكامل والشفاف لكل بنوده.

المنطقة تقف اليوم على مفترق طرق: إما أن تختار المضي نحو المصالحة والاستقرار، أو تعود إلى حلقة جديدة من الصراع الدموي. وللمرة الأولى منذ سنوات، يبدو أن هناك بارقة أمل حقيقية .