في خطوة قد تمثل نقطة تحول في مسار الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية والصين توصلهما إلى اتفاق تجاري جديد، يُتوقع أن يُسهم في محو آثار التصعيد الذي شهدته العلاقات الاقتصادية بين البلدين منذ أبريل الماضي، حين فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب زيادة في الرسوم الجمركية على الواردات الصينية، وهو ما حققت بموجبه واشنطن مكاسب تقدَّر بنحو 88 مليار دولار.
وبحسب بيان صادر عن البيت الأبيض، فإن الاتفاق الجديد يركز بالأساس على آلية تسريع حصول الولايات المتحدة على شحنات المعادن النادرة من الصين، والتي كانت بكين قد أوقفت تصديرها إلا بتصاريح خاصة، ردًا على الرسوم الأمريكية، ما أدى إلى أزمة حادة داخل بعض الصناعات الأمريكية، سواء العسكرية أو المدنية.
وقد حذر خبراء صناعيون أمريكيون من أن استمرار القيود الصينية كان سيعرض قطاعات استراتيجية في الولايات المتحدة إلى شلل جزئي قد يتطور إلى توقف تام، خاصة أن هذه الصناعات تعتمد اعتمادًا مباشرًا على معادن نادرة لا تتوفر إلا في الصين.
وتشمل هذه المعادن: التريبيوم، الإيتريوم، الديسبروسيوم، الجادولينيوم، الليثيوم، السماريوم، والسكانديوم، وهي تدخل في صناعات دقيقة مثل الطائرات المقاتلة، الغواصات، صواريخ "توماهوك"، الأقمار الصناعية، فضلًا عن الصناعات المدنية كإنتاج الهواتف الذكية، الشاشات، وأجهزة التلفزيون، بالإضافة إلى استخدامها في العلاجات الطبية المتقدمة مثل علاج السرطان.
وتسيطر الصين على نحو 92% من عمليات معالجة هذه المعادن عالميًا، فيما تستورد الولايات المتحدة حوالي 70% من مركبات المعادن النادرة من الصين، بحسب هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية.
ويرى مراقبون أمريكيون أن تراجع واشنطن عن تصعيد المواجهة الاقتصادية مع بكين له سببان رئيسيان؛ أولهما بطء ترجمة الاتفاق الذي وقعه ترامب مع أوكرانيا بشأن الحصول على معادن نادرة مقابل دعم عسكري، والثاني صعوبة تنفيذ مخطط السيطرة على جزيرة جرينلاند الدنماركية الغنية بالمعادن النادرة، بفعل التحديات العلمية والسياسية، خاصة بعد أن قوبلت المساعي الأمريكية برفض أوروبي واسع لتعديها على سيادة الأراضي الدنماركية.
وبينما لا تزال واشنطن تبحث عن بدائل استراتيجية مستدامة لتأمين احتياجاتها الصناعية والتكنولوجية من المعادن النادرة، يبدو أن تخفيف التوتر مع الصين، ولو مؤقتًا، هو الحل الأقرب للحفاظ على استمرارية عجلة التصنيع والابتكار، والتي تُعد حجر الزاوية في التفوق الأمريكي عالميًا.
رغم أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كانت قد فرضت في أبريل الماضي زيادة كبيرة على الرسوم الجمركية المفروضة على واردات صينية، مما حقق مكاسب مباشرة للولايات المتحدة بقيمة 88 مليار دولار، فإن الاتفاق الجديد لا يتضمن فرض رسوم إضافية، بل يشير إلى اتجاه نحو خفض التصعيد الجمركي لصالح تأمين مصالح استراتيجية، مثل استيراد المعادن النادرة.
الاتفاق يلمح إلى أن واشنطن قدمت تنازلات جزئية أو تجميدًا مؤقتًا للرسوم الجمركية مقابل ضمانات صينية بتوريد شحنات من المعادن النادرة الحيوية للصناعات الأمريكية، وهي خطوة تُفهم كنوع من المقايضة: تخفيف الضغط الجمركي مقابل تأمين سلاسل التوريد الحيوية.
حتى الآن، لم يُعلن عن إلغاء رسمي للرسوم التي فرضها ترامب، لكن صيغة الاتفاق تعكس تحوّلًا في المقاربة الأمريكية من سياسة "الضغط بالرسوم" إلى "إعادة التفاوض" على أساس الحاجة الاقتصادية والتكنولوجية.