في خطوة مثيرة للقلق على الصعيدين الإقليمي والدولي، أعلنت إيران تعليق تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مما يُنذر بتصعيد جديد في ملفها النووي، الذي طالما كان محل تجاذب بين طهران والغرب.
هذه الخطوة لم تأتِ من فراغ، بل جاءت كرد فعل مباشر على تصعيد متبادل، تخلله ضغوط غربية، تقارير نقدية صادرة عن الوكالة، وقرارات من مجلس محافظيها تدين ما وصفته بـ"عدم تعاون إيران الكافي".
في وقت سابق وقبل الحرب بين إيران وإسرائيل، تصاعدت التوترات بعد أن نشرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرًا أعربت فيه عن قلقها من استمرار إيران في تخصيب اليورانيوم بنسبة تتجاوز 60%، وهي نسبة تقترب بشكل خطير من مستوى التخصيب المطلوب لتصنيع أسلحة نووية.
كما أعربت الوكالة عن امتعاضها من استمرار طهران في تقليص قدرة المفتشين الدوليين على الوصول إلى المنشآت النووية الحساسة، في مخالفة واضحة لاتفاق الضمانات.
في المقابل، رأت إيران أن تقرير الوكالة جاء مسيسًا ويخضع لإملاءات غربية، لا سيما من الولايات المتحدة والدول الأوروبية، معتبرة أن ما تمارسه الوكالة يتجاوز دورها الفني ويمس السيادة الوطنية الإيرانية.
وردًا على هذه التطورات، أعلنت طهران تعليق التعاون الطوعي مع المفتشين، ووقف تركيب كاميرات المراقبة التي تم الاتفاق عليها في إطار التفاهمات السابقة.
تُعد هذه الخطوة بمثابة ضربة قوية لجهود إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، والذي يعاني أساسًا من الجمود منذ انسحاب الولايات المتحدة منه عام 2018 في عهد الرئيس دونالد ترامب.
فبدون رقابة الوكالة، يصعب التأكد من طبيعة البرنامج النووي الإيراني، وهو ما يعمّق الشكوك ويمنح الأطراف المعادية لطهران – وخاصة إسرائيل – مبررات جديدة للتصعيد أو حتى لعمل عسكري محتمل.
كما أن هذه التطورات تأتي في سياق إقليمي متوتر، يشهد صراعًا متصاعدًا بين إيران وإسرائيل، خاصة على الساحة السورية واللبنانية. وقد تعزز الخطوة الإيرانية مواقف دول الخليج التي ترى في البرنامج النووي الإيراني تهديدًا مباشرًا لاستقرار المنطقة.
لم تتأخر ردود الفعل، حيث أعربت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا عن "قلق بالغ" تجاه القرار الإيراني، مطالبة طهران بالعودة الفورية إلى الالتزام بواجباتها الدولية. في المقابل، أيدت روسيا والصين ما وصفته بـ"حق إيران في الدفاع عن نفسها أمام التسييس المفرط لملفها النووي".
السيناريوهات المستقبلية
من المرجح أن يفتح تعليق التعاون الإيراني الباب أمام تحركات أكثر حدة من قبل مجلس الأمن الدولي، وربما فرض عقوبات جديدة، رغم المعارضة المتوقعة من الصين وروسيا.
في الوقت نفسه، قد تستغل إسرائيل هذه اللحظة لتكثيف الضغط، دبلوماسيًا أو أمنيًا، من أجل منع ما تعتبره تهديدًا وجوديًا.
وفي حال قررت طهران المضي قدمًا في تصعيد تخصيب اليورانيوم أو تقليص التزاماتها بشكل أكبر، فإن المنطقة ستواجه سيناريو أكثر خطورة، قد يتجاوز دائرة التهديدات اللفظية إلى اشتباكات مباشرة أو حرب محدودة.
يمثل قرار إيران تعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية تطورًا خطيرًا في مسار الأزمة النووية، ويؤشر إلى دخول الملف مرحلة أكثر تعقيدًا وتشددًا.
وبينما تتأرجح الجهود الدبلوماسية بين الفشل والتأجيل، يبقى المستقبل مفتوحًا على كافة الاحتمالات، من التفاوض المشروط إلى المواجهة المحتملة، في مشهد يهدد استقرار الشرق الأوسط والعالم بأسره.