دخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قمة حلف شمال الأطلسي المنعقدة في لاهاي، وهو يتوسّد سلسلة إنجازات عسكرية ودبلوماسية شهدتها الآونة الأخيرة، من وقف إطلاق نار بين إسرائيل وإيران بالوساطة الأمريكية، إلى ضرب المنشآت النووية الإيرانية، وسط تحوّل جذري في لغة العلاقة عبر الأطلسي.
زار ترامب القمة ضمن أجواء شددت عليها وزارة الدفاع الأميركية بالتأكيد على أهمية رفع الإنفاق الدفاعي الأوروبي، ذاك الهجوم على إيران شكّل مفصلاً في إعادة واشنطن إلى الواجهة الاستراتيجية، في وقت انعكس فيه تغير المواقف الأوروبية اتجاه الحلف.
من جانبها، أوكرانيا عبرت عن خيبة أملها، إذ اقتصرت مشاركتها على العشاء الرسمي، دون دعوة لحضور اجتماعات العمل الرئيسية، ما يعكس تراجع دعم واشنطن لها واستهداف موقعها الرمزي، رغم استمرار الحرب ضد روسيا.
وفي المقابل، جاء الإنجاز الأكبر لترامب بتحقيق توافق على الموازنة الدفاعية التي طالما دعا لها، حيث وافق الحلف على رفع نفقاته إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2035، منها 3.5% للنفقات العسكرية المباشرة، والباقي للسيبر والأمن والبنية التحتية.
وكان لصفات مارك روته، الأمين العام للناتو والرئيس الأسبق لهولندا، دور حاسم في تقريب الموقف الأوروبي من المطالب الأمريكية، وإقناعهم بـ"نهج تكلفة معقّدة تشمل الأمن السيبراني والاستخبارات" .
رغم توافق الإنفاق، أثار ترامب جدلًا جديدًا بحديثه الغامض عن المادة الخامسة، متسائلاً "يعتمد على تعريفها"، الأمر الذي أثار مخاوف من عدم التزام أميركي مطلق بدفاع الحلفاء .
1. موقع ترامب القوي:
اجتمع قادة الناتو على وقع الانتصارات الأمريكية بالشرق الأوسط، خاصة ضرب المنشآت النووية لإيران، ما منح ترامب ثقلًا إضافيًا في قمة تُركّز على "الفعالية والحسم".
2. إنجاز دفاعي تاريخي:
الناتو يوافق على رفع الإنفاق الدفاعي من 2% إلى هدف 5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2035. روسيا تعتبر أحد العوامل الدافعة، حيث حذّر روته من احتمال هجوم روسي خلال 2028–2030.
3. دور مارك روته:
روته أقنع الأعضاء بتبني الخطة الأميركية، مؤكّدًا: "لا استثناءات ولا تأجيلات"، رافضًا اعتراض إسبانيا وغيرها من المحاولات لخفض النسبة .
4. دعم ودي لترامب:
روته أرسل لترامب رسالة خاصة تمدحه فيها على الخطوة تجاه إيران، ونشرت لاحقًا، قائلًا: "ستفعل شيئًا لم يتمكن أي رئيس أمريكي من فعله منذ عقود"، وهو ما شاركه ترامب في منشوره عبر "تروث سوشل" .
5. غياب أوكرانيا الاستراتيجي:
أوكرانيا اقتصرت دعوتها على العشاء الافتتاحي، وحرمت من الاجتماعات الرئيسية، وسط توقف المساعدات العسكرية الأميركية وغياب دعم واشنطن لها، ما يعكس تراجع الاهتمام بمصيرها.
6. قلق أوروبا من التزامات ترامب:
رغم تأكيد روته "الالتزام الكامل بالمادة الخامسة"، فإن تصريحات ترامب الغامضة تركت انطباعًا بأن أمان الدول بات رهينة بـ"تعريف المادة" .
مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2025، اتّخذت السياسة الأمريكية تجاه أوكرانيا منعطفًا حادًا مقارنةً بسابقاتها، حيث تغيّر الموقف من الدعم المباشر إلى الانسحاب الحذر، ما أحدث صدمة داخل أوساط السياسة الغربية.
وفي فبراير 2025، أعلنت إدارة ترامب رسميًا وقف تقديم أي مساعدات عسكرية جديدة لأوكرانيا، في خطوة اعتُبرت أول ترجمة فعلية لتوجّه ترامب الذي يعتبر أن النزاع الأوكراني الروسي "ليس من مسؤولية الولايات المتحدة".
وبررت الإدارة القرار بأنه يأتي في إطار "إعادة ترتيب الأولويات الدولية" والتركيز على التهديدات المباشرة لأمن واشنطن، مثل الملف الإيراني والصين.
بدلاً من دعم كييف عسكريًا، بدأت إدارة ترامب في الترويج علنًا لحل تفاوضي بين أوكرانيا وروسيا.
وأكد البيت الأبيض في أكثر من مناسبة أن استمرار الحرب لن يؤدي إلى نتيجة حاسمة، وأن على أوكرانيا القبول بوقف إطلاق نار طويل الأمد وبدء حوار مباشر مع موسكو.
وفي أكثر من تصريح، لمّح ترامب إلى أنه لن يُلزم الولايات المتحدة بالدفاع التلقائي عن الدول التي "لا تفي بالتزاماتها الدفاعية"، في إشارة واضحة لحلفاء الناتو، ومن ضمنهم أوكرانيا.
ورأى مراقبون أن هذه الرسائل فتحت شهية روسيا لتكثيف ضغوطها على كييف، مستفيدة من الفراغ السياسي في الغرب.
قرار ترامب قوبل بانتقادات من بعض القادة الأوروبيين، أبرزهم المستشار الألماني والرئيس الفرنسي، الذين عبّروا عن "القلق العميق" من تراجع الدور الأمريكي في صدّ التمدد الروسي.
وبادر الاتحاد الأوروبي إلى عقد اجتماعات عاجلة لمجموعة الاتصال الخاصة بأوكرانيا، بهدف إيجاد بدائل جزئية للدعم الأمريكي.
وفي ظل هذا التراجع، بدت أوكرانيا في وضع سياسي هش، خاصة بعد استبعادها من الجلسة الرئيسية في قمة الناتو بلاهاي، الأمر الذي فُسّر كمؤشر على فتور الدعم الغربي لكييف.
كما أظهر استطلاع للرأي في مارس 2025 داخل أوكرانيا أن أكثر من 60% من الأوكرانيين يشعرون بأن واشنطن "تخلّت عنهم".
قمة لاهاي شكّلت لحظة فاصلة في تاريخ حلف الناتو؛ فقد أسس ترامب لتفوق عسكري ودفاعي أميركي داخل الحلف، وأُعيد رسم خارطة دعم أوكرانيا، وترسّخت رؤية أوروبية لتعويض النفقات الأميركية.
القمة ربما تكون بداية لتوازن جديد بين أميركا القوية، وأوروبا المستعدة للتعب، وأوكرانيا التي تبحث عن امتداد للحماية.