آراء وأقلام

جمال الكشكي يكتب: «فوردو»... كعب أخيل «النووي» الإيراني

الإثنين 23 يونيو 2025 - 07:43 ص
جمال الكشكي
جمال الكشكي

في فجر الأحد 22 يونيو 2025 استيقظت الخرائط على وقع الخطر، فقد أمر الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالهجوم بقنابل طائرات «بي2» الثقيلة والخارقة للتحصينات، ضد المواقع النووية الإيرانية في «فوردو»، و«أصفهان»، و«نطنز»، ليكتب وثيقته الخاصة التي تقود العالم إلى فصل جديد لا نعرف في أي طريق سوف يمضي.

شاء القدر الجغرافي أن تكون قرية «فوردو» مفتاح الحرب أو السلام، الهدوء أو الاشتعال، الحياة أو الموت.

«فوردو» تقع في حضن جبال صخرية بالقرب من «قم» الإيرانية، الصخر الصلد يجاور رجال الدين، وقع عليها الاختيار لتكون مكمن البرنامج النووي الإيراني، وسر ولاية الفقيه، وقبضة المرشد الذرية التي قد يلجأ إليها عندما يداهمه خطر وجودي.

حين فكر العقل الخميني باستعادة البرنامج النووي، لم يكن يتخيل أن يصبح هذا البرنامج «كعب أخيل»، والثغرة التي ينفذ منها الخصوم في الأسطورة اليونانية المعروفة. البرنامج النووي الإيراني لم يكن من بنات تفكير ولاية الفقيه، إنما بدأه الشاه محمد رضا بهلوي، من خلال مساعدة أميركية - فرنسية - ألمانية، منذ نهاية الخمسينيات.

أحلام الشاه آنذاك كانت بلا حدود، كان يفكر في استعادة إمبراطورية فارسية للمرة الثالثة في التاريخ، لذا أقام حفلاً عالمياً عام 1971 لإحياء ذكرى 2500 عام على إنشاء مملكة فارس، الاحتفال كان الأضخم في التاريخ، حضره كل قادة وزعماء العالم ونخبته المعروفة وغير المعروفة.

أراد الشاه أن يجري عملية تحديث شاملة على الطريقة الغربية، حاول أن تكون بلاده قطعة من أوروبا، أن يمتلك سلاحاً نووياً، رغم أنه بدأ المشروع النووي عام 1957 تحت شعار «الذرَّة من أجل السلام»، لكنه في عام 1974 قال إن إيران لن تبقى ضعيفة، وإنها تفكر في السلاح النووي إذا امتلك آخرون هذا السلاح. توجَّسَ الغرب من طموحات الشاه، لا سيما بعد الحفل الاستعراضي الذي حمل رسائل لا يريد الغرب أن يقرأها. في تلك اللحظة تكونت لدى الغرب قناعة بأن الشاه يتمرد، وحان وقت استبداله.

نصب الغرب السيرك للإمبراطور. هندس اتساع المعارضة. الملاعب فارسية واللاعبون غير فرس. وقع الشاه في مصيدة رجال الدين عام 1979. غادر إمبراطوريته ممسكاً بحفنة تراب إيرانية. ظن أنه سيعود كما عاد أبوه في بداية الخمسينات بعد فشل ثورة مصدق، فيما كانت هذه المرة ذهاباً بلا عودة. عاد الغرب برجل الدين آية الله الخميني من منفاه من ضاحية نوفل لو شاتو بباريس.

أراد الخميني أن يشطب ميراث الشاه، كان ضمن هذا الميراث الذي يتباهى به الشاه البرنامج النووي ثلاثي الأبعاد: الأميركي - الفرنسي - الألماني. كان المشروع النووي غربياً بالكامل. من هنا أفتى الخميني بتحريم البرنامج بوصفه غربياً إمبريالياً. تلك الفتوى لا تزال موروثة، حتى إن المرشد الحالي علي خامنئي تبنَّاها، وأعاد تأكيدها عام 2010.

ثمة سؤال يطرح نفسه: لماذا عاد البرنامج النووي رغم وجود الفتوى؟

الحقيقة أن الرئيس الإيراني، القادم من خارج الحوزة العلمية، المهندس والأستاذ الجامعي أحمدي نجاد، هو الذي أعاد المشروع النووي إلى الوجود، عندما أعلن عن نجاح إيران في تخصيب اليورانيوم عام 2006.

المفارقة أنَّ الغرب هو الذي زرع كل المنشآت النووية في عصر الشاه، وورثها الخميني، ويغضب الغرب من وجودها الآن.

الصورة تبدَّلت. انعدمت الثقة بين ولاية الفقيه وأوروبا والغرب، وإسرائيل عرَّاب الصِّدَام الجديد بين الطرفين.

اللعبة باتت صفرية. الراعي الرسمي لتل أبيب يفكر بعمق في مستقبل «فوردو» وغيرها. العالم يقف على أطراف أصابعه، ويمشي على حبل مشدود؛ إما أن يستمر العالم بنظامه الدولي الحالي، وإما سيتغير بالكامل، فالحرب هذه المرة ستختلف عن الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة الأميركية عبر نصف القرن الأخير، بعد أن نجحت إسرائيل في جرِّ الولايات المتحدة والرئيس ترمب إلى الحرب مباشرةً، هذه الحرب لا تشبه سواها، خصوصاً بعد قصف المنشآت النووية بقنابل لا يملكها سوى واشنطن. انفرط عقد العالم. توازنات جديدة. ربما تظهر روسيا والصين في الأفق، فكلتاهما لديها مصلحة في وجود إيران الحالية، وبالطبع فإن المحيط سوف يتأثر بمعركة صفرية بين طرفين يسعى كل منهما إلى تدمير الآخر.

عادةً لا أتوقف أمام التصريحات التي تبدو مترددة من الرئيس الأميركي، إنما هو ينتهج سياسة تقوم على الذهاب في اتجاه ثم الانعطاف فجأة إلى اتجاه آخر؛ فقد أعدَّ المسرح لحرب شاملة، وأن الحرب ليست حرب نتنياهو وحده، بل حرب ترمب في الأساس، وقد بدأ علي خامنئي يعد خلفاءه في «قم».

العالم يدخل نفقاً ربما لا نجد فيه لليوم التالي مكاناً.

نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط