دراسات وأبحاث

قصف بلا ضجيج.. العمليات العسكرية الأمريكية باستخدام القاذفة الشبحية B-2"

الإثنين 23 يونيو 2025 - 12:08 ص
ابراهيم ياسر
الأمصار

منذ لحظة دخولها الخدمة في سلاح الجو الأمريكي في تسعينيات القرن الماضي، مثلت القاذفة الشبحية B-2 "سبيريت" تحولاً نوعياً في أسلوب الحرب الجوية.

Arabic - ما مدى قدرة B-2 Spirit على التخفي؟ تم وضع محركات B-2 داخل جناحيها  لإخفاء مراوح المحركات وتقليل أثر العادم. تتيح خصائص "التخفي" للقاذفة B-2  اختراق الدفاعات المتطورة المضادة للطائرات ومهاجمة

 لم تكن مجرد طائرة عسكرية، بل سلاحاً استراتيجياً صُمم ليخترق أكثر أنظمة الدفاع الجوي تطوراً وينفذ ضرباته بدقة فائقة دون أن يُكشف. ويعد استخدامها في العمليات العسكرية التي خاضتها الولايات المتحدة دليلاً على مكانتها المحورية في العقيدة العسكرية الأمريكية، خاصة في العمليات التي تتطلب تدميراً سريعاً ومفاجئاً لأهداف عالية القيمة.

الولايات المتحدة: عدة قاذفات من طراز B-2 Spirit في طريقها إلى قاعدة دييغو  غارسيا

القاذفة B-2 "سبيريت"

القاذفة B-2 "سبيريت" هي طائرة قاذفة استراتيجية أمريكية تُعرف بكونها واحدة من أكثر الطائرات تطوراً وسرية في العالم. دخلت الخدمة عام 1997، وتتميز بتصميمها الشبحي الذي يجعل من الصعب جداً رصدها بالرادارات التقليدية، ما يمنحها القدرة على اختراق أجواء العدو وتنفيذ ضربات دقيقة دون أن تُكتشف.

تمتلك B-2 القدرة على حمل أسلحة تقليدية ونووية، وتصل حمولتها إلى نحو 18 طناً من الذخائر، منها القنابل الذكية الموجهة بنظام GPS أو الليزر. ويصل مداها إلى أكثر من 11 ألف كيلومتر دون الحاجة للتزود بالوقود، مما يجعلها قادرة على تنفيذ عمليات حول العالم من داخل الأراضي الأمريكية نفسها.

القاذفة صُممت خصيصاً لضرب الأهداف الإستراتيجية المحصنة، وتُعد إحدى ركائز الردع النووي الثلاثي للولايات المتحدة إلى جانب الغواصات والصواريخ العابرة للقارات.

حرب كوسوفو: الضربة الأولى في الظلام

في عام 1999، كانت حرب كوسوفو الساحة الأولى لاستخدام B-2 في العمليات القتالية الحقيقية. انطلقت القاذفات من قاعدة "وايتمان" في ولاية ميزوري الأمريكية، وقطعت أكثر من 30 ساعة طيران ذهاباً وإياباً، لتقصف أهدافاً صربية حساسة تشمل محطات الاتصالات والمطارات ومنشآت القيادة والسيطرة، ثم تعود إلى قاعدتها دون توقف. تميزت B-2 بقدرتها على حمل قنابل ذكية موجهة بنظام "GPS"، مما أتاح لها تنفيذ ضربات دقيقة دون الحاجة إلى دعم مباشر من القوات الجوية الأخرى.

الولايات المتحدة: عدة قاذفات من طراز B-2 Spirit في طريقها إلى قاعدة دييغو  غارسيا

اللافت أن نسبة النجاح في إصابة الأهداف خلال تلك الحملة تجاوزت 90%، وهو ما عزز ثقة البنتاغون بهذا الطراز، واعتبرها قادة الناتو حينها العمود الفقري لحملة القصف الإستراتيجي التي ساعدت على إنهاء النزاع في يوغوسلافيا.

غزو أفغانستان: السلاح الخفي في بداية الحرب على الإرهاب

مع أحداث 11 سبتمبر، دخلت الولايات المتحدة مرحلة جديدة من الحروب غير التقليدية، وبرزت الحاجة إلى سلاح يضرب أهدافاً بعيدة بدقة دون الاعتماد على قواعد قريبة من أرض المعركة. 

كل ما تريد معرفته عن القاذفة الشبحية الأمريكية "بي - 2"

وهنا، لعبت B-2 دوراً مركزياً في الأيام الأولى من عملية "الحرية الدائمة" في أفغانستان عام 2001. انطلقت الطائرات من الأراضي الأمريكية وقصفت معاقل طالبان ومخازن الأسلحة ومخابئ القيادة التابعة لتنظيم القاعدة، ثم أكملت طريقها إلى جزيرة دييغو غارسيا في المحيط الهندي للتزود بالوقود والصيانة، قبل أن تعود للولايات المتحدة، في واحدة من أطول المهمات الجوية القتالية المسجلة في التاريخ.

ساهم هذا النوع من العمليات في شل البنية التحتية للعدو في الأيام الأولى للحرب، ومهّد الطريق لتقدم القوات البرية الأمريكية دون مقاومة تذكر في بعض المناطق.

أغلى طائرة في العالم| قاذفة الأشباح الأمريكية B-2.. هل تتدخل لحسم المعركة  لصالح إسرائيل؟

حرب العراق 2003

في عملية "حرية العراق"، لعبت القاذفة B-2 دوراً محورياً في تنفيذ ما يُعرف بضربات "الصدمة والرعب"، وهي استراتيجية اعتمدت على إسقاط قوة نارية هائلة في وقت قصير لإرباك القيادة العراقية. 

استخدمت B-2 صواريخ وقنابل موجهة لتدمير منشآت الدفاع الجوي، ومقرات الحرس الجمهوري، والمخابئ القيادية لصدام حسين.

وتجلّى مدى التطور التقني في هذه القاذفة عندما أسقطت دفعة واحدة 16 قنبلة موجهة بالليزر على 16 هدفاً مختلفاً، في مهمة واحدة.

 وقد ساهمت هذه الضربات في تحييد بنية القيادة العراقية مبكراً، وساعدت في تحقيق التفوق الجوي الكامل للقوات الأمريكية في غضون أيام.

قاذفات B-2 الأمريكية تنطلق نحو الشرق الأوسط وسط تصاعد التوتر مع إيران

عمليات لاحقة: الضربات الدقيقة ضد تنظيم الدولة "داعش"

رغم أنها ليست القاذفة المفضلة للعمليات اليومية، فإن الولايات المتحدة استخدمت B-2 في مناسبات محددة ضد تنظيم داعش، خاصة في ليبيا عام 2017. 

نفذت حينها طلعات لضرب معسكرات تدريب للتنظيم في مدينة سرت، وأسقطت أكثر من 100 قنبلة موجهة بدقة عالية على مواقع القيادة ومخازن الأسلحة.

هذه الضربات لم تكن فقط لإضعاف قدرات التنظيم، بل كانت أيضاً رسالة قوة للخصوم في منطقة حوض المتوسط وشمال إفريقيا، تؤكد قدرة أمريكا على الوصول إلى أي نقطة في العالم في أي وقت، دون الحاجة لقواعد برية أو تعاون من دول جوار.

التكنولوجيا التي قلبت موازين الحرب

ما يجعل B-2 سلاحاً فريداً ليس فقط قدرتها التدميرية، بل طبيعة تصميمها "الشبحي"، الذي يجعل من شبه المستحيل رصدها بالرادارات التقليدية، كما أن نظام الملاحة والاتصال فيها يسمح بتنفيذ مهام معقدة بدقة استثنائية، وتحت أي ظروف جوية.

B-2 Spirit».. قلب الطائرة الخفية يظل يوجّه رسائل تهديد عبر القارات

القاذفة قادرة على حمل أسلحة تقليدية ونووية، مما يمنحها دوراً مزدوجاً كرأس حربة في الهجمات التقليدية، وكرادع نووي إستراتيجي في أوقات التوتر العالمي. وحتى اليوم، لا تزال B-2 إحدى أدوات الردع الرئيسية في ترسانة الولايات المتحدة، خاصة مع تصاعد التهديدات من دول مثل روسيا والصين وكوريا الشمالية.

رغم دخول القاذفة B-21 الجديدة الخدمة في المستقبل القريب، تبقى B-2 "سبيريت" شاهدة على حقبة كاملة من الصراعات العسكرية التي خاضتها الولايات المتحدة، حيث مزجت بين التقنية والتكتيك والسيطرة الكاملة على السماء. لم تكن مجرد طائرة حربية، بل أداة سياسية أيضاً، وواحدة من رموز الهيمنة العسكرية الأمريكية في القرن الحادي والعشرين.