تشهد الساحة الإعلامية منذ اندلاع المواجهة العسكرية المفتوحة بين إسرائيل وإيران تفاعلاً واسعًا، اتسم بالتباين الشديد في زوايا المعالجة، والمفردات المستخدمة، وطبيعة الانحيازات السياسية أو الأيديولوجية لكل وسيلة إعلامية، نرصد أبرز ملامح التغطية الإعلامية العربية والدولية، ومؤشرات "النصر الإعلامي"، وأدوار القنوات الناطقة بالعربية في صياغة الرواية حول هذا الصراع.
تتخذ قناة الجزيرة موقفًا واضحًا يُظهر انحيازًا بارزًا للرواية الإيرانية ومحور المقاومة، تُستخدم مفردات من قبيل "العدوان الإسرائيلي" و"الشهداء الإيرانيون"، في مقابل تغييب شبه تام لأوصاف مثل "الهجوم الإيراني" أو "الاختراق الإسرائيلي" داخل إيران.
التغطية مكثفة، متواصلة، ومشحونة برمزية عالية، وتضع الحدث في سياق "معركة قومية". مع ذلك، تغيب عن القناة وجهات النظر الإسرائيلية أو حتى أصوات تحليلية محايدة.
بي بي سي عربي: الصيغة المحايدة الباردة
في المقابل، التزمت بي بي سي عربي بلغة محايدة إلى حد بعيد، وبدت وكأنها تُجسّد دور "اللجنة الدولية للصليب الأحمر" في التغطية، دون ميول ظاهر. ورغم التشكيك المتكرر في مصداقيتها، قدّمت تغطية متوازنة إخباريًا لكنها جافة وجامدة، تفتقر للجاذبية البصرية والدرامية، ما أفقدها تفاعلًا جماهيريًا أوسع.
فرانس 24: الإثارة المحسوبة
فرانس 24 الناطقة بالعربية اعتمدت لغة أكثر سخونة، وجاذبية من حيث الشكل والمضمون، مع جرعة تحليلية قوية، وتركيز على التبعات الإقليمية والدولية. تغطيتها جذبت الجمهور العربي الباحث عن الخبر والتحليل في آنٍ واحد، مع محاولات نسبية للحفاظ على التوازن، دون إخفاء لهجة أوروبية في تفسير الحدث.
القنوات العربية الرسمية: التحفظ السياسي والانضباط التحريري
القاهرة الإخبارية، سكاي نيوز عربية، والعربية، تبنّت خطابًا يرتكز على مفاهيم "الاستقرار الإقليمي" و"التهديدات للأمن القومي".
لم تُبدِ انحيازًا صريحًا لأي طرف، لكنها تجنبت كذلك تبنّي لغة إدانة واضحة لإسرائيل، بدا أن هذه القنوات تعكس السياسات الرسمية لدولها المالكة، وتعمل ضمن هامش تحريري مضبوط بعناية.
الميادين: الصوت الموازي للجزيرة
تمثل قناة الميادين، إلى جانب الجزيرة، أحد أبرز المنصات المؤيدة للمحور الإيراني، إلا أن لغتها أقل إثارة، وأكثر اقترابًا من التنظير السياسي والمصطلحات الإيديولوجية، وتستهدف جمهورًا أكثر تخصصًا وأقل تفاعلاً.
غياب الأصوات الإسرائيلية والإيرانية في القنوات العربية
يغيب الحضور المباشر لأصوات من الطرفين الإسرائيلي والإيراني عن الشاشات العربية، وهو ما يعكس افتقارًا للتمثيل التعددي. في الوقت ذاته، يتولى المراسلون أدوارًا تحليلية تفوق وظيفتهم الخبرية، ما يُقلص من فرص تقديم صورة متجردة.
الصورة المتكررة وسينمائية الحرب
تعاني التغطية الإعلامية من شُح في الصور المباشرة من أرض المعركة، ما يدفع القنوات لتكرار نفس المشاهد أو استخدام مؤثرات بصرية تُضفي طابعًا دراميًا مصطنعًا. الغلبة لا تزال لإعلام يفتقر للعمق البصري والاستقصائي، رغم كثافة البث.
من ينتصر إعلاميًا؟
حتى الآن، يمكن القول إن إسرائيل انتصرت إعلاميًا في البعد التقني والميداني، عبر بث تسجيلات مصوّرة لهجماتها، واستخدام سلاح الصورة بذكاء. في المقابل، تفوقت الجزيرة والميادين في الخطاب التعبوي والوجداني لدى جمهور المقاومة.
لكن التغطية ما تزال في بداياتها، وستُحدَّد ملامح "النصر الإعلامي" الحقيقي بناءً على مدى احترافية القنوات في استثمار الصورة والمعلومة والتحليل خلال الأيام المقبلة.
الحياد الكامل في الإعلام وهم، والمهنية الكاملة استثناء، تغطية الحرب الإسرائيلية الإيرانية تكشف بوضوح أن كل قناة تتحدث بلسان جمهورها، وتُعبّر عن رؤية مموّلها، وأن المشاهد الذكي هو وحده القادر على التفريق بين المعلومة والرأي، وبين التوثيق والدعاية.