في الآونة الأخيرة، لاحظ المشاهدون داخل روسيا وخارجها عرض التلفزيون الروسي الرسمي، ولا سيما قناة "روسيا-1" و"القناة الأولى"، لمقاطع فيديو تتضمن عدًا تنازليًا غامضًا، مصحوبًا بموسيقى درامية ورسائل مبهمة أو مشحونة بالرمزية.
وقد أثار هذا العد التنازلي العديد من التساؤلات، خصوصًا في سياق الحرب في أوكرانيا، وتصاعد التوترات مع الغرب، والحديث عن إمكانية اتخاذ قرارات استراتيجية أو عسكرية حاسمة.
العد التنازلي الذي بثه التلفزيون الروسي هو مقطع مرئي يظهر فيه عداد رقمي يبدأ من وقت معين (مثل 24:00:00 أو أقل)، ويتناقص كل ثانية، ما يعطي انطباعًا بانتظار "حدث مهم" أو "نقطة تحول". في بعض الأحيان، ترافق هذا العداد عبارات غامضة مثل:
"العد التنازلي بدأ"
"البداية تقترب"
"القرار قريب"
وقد عُرض هذا العداد في فواصل بين البرامج، أو بشكل مفاجئ أثناء التغطيات الإخبارية، بدون توضيح رسمي للغرض منه.
ربط النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي بين الصورة المتداولة والتصعيد القائم بين إيران وإسرائيل والذي تسبب فيه جيش الاحتلال بعد شنه ضربة مفاجئة على الأراضي الإيرانية، فجر الجمعة.
وعكست اللقطة المأخوذة من التليفزيزن الروسي صورة بوتين مرفوقة بعداد يوحي بأن أمرًا ما سيجري بعد 22 ساعة و21 دقيقة و56 ثانية.
وجاءت التكهنات حول انضمام روسيا إلى صف إيران ومساعدتها في الرد على هجمات إسرائيل، ولا سيما بعد إدانة الخارجية الروسية الضربة الإسرائيلية واصفه إياه بانتهاك لميثاق الأمم المتحدة، وفقًا لقناة "روسيا اليوم" المحلية
التوقيت والسياق
بدأ بث هذا العد التنازلي في فترات متزامنة مع أحداث سياسية أو عسكرية حساسة، منها:
التصعيد في الحرب الأوكرانية، خاصة عند التلميح إلى استخدام أسلحة استراتيجية.
خطابات الرئيس فلاديمير بوتين المتوقعة أو المعلنة مسبقًا.
أعياد وطنية روسية مثل "يوم النصر" في 9 مايو، حيث يتم تحميل الأحداث رمزية قومية قوية.
أو قبيل نشر تقارير استخباراتية أو تحركات عسكرية.
العد التنازلي له دلالات متعددة:
التهيئة النفسية: يُستخدم لبث القلق أو الترقب لدى الجمهور، وكأن "شيئًا كبيرًا سيحدث".
إرسال رسائل ردعية: موجهة للغرب، تفيد بأن روسيا قد تتخذ إجراءات حاسمة، في تلميح إلى الردع النووي أو الحروب السيبرانية.
التعبئة الجماهيرية: نوع من الحشد العاطفي والوطني في ظل المعركة الإعلامية مع الغرب.
عنصر الحرب النفسية: ضمن أدوات "الهيمنة المعلوماتية" التي تتبعها روسيا، بحسب محللين غربيين.
وفي هذا الصدد كشف محللون، أن حقيقة الصورة التي تنشرها وسائل الإعلام الروسية قبل ساعات من كلمة بوتين أمام مجلسي الاتحاد والدوما، وهذا حدث في الأشهر الماضية.
ويعود نشر القنوات الروسية صورة بوتين إلى مناسبة إلقاء الرئيس الروسي كلمة أمام الجمعية العامة الروسية الممثلة بمجلسي الدوما والاتحاد".
وأضاف محللون : "عادة ما تجري هذه الإحاطة كل قبل العام أو مع بداية العام الجديد، ويقدم فيها الرئيس لمحة عن السياسة الخارجية التي ستتبعها بلاده في الفترة القادمة وكذلك تتضمن أهم ما أنجز في الأشهر الماضية على مستوى الاقتصادي والعسكري والأمن الداخلي".
لذلك تقوم القنوات الروسية بوضع شارة حول الساعة التي ستبدأ فيها كلمة بوتين وذلك بسبب أن هذه الكلمة تصف على أنها مهمة للداخل الروسي والخارج، كما أن الشارة نفسها يتم عرضها على منصات في الشوارع لذلك وعليه، هذه الصورة قديمة ولا علاقة لها بالأحداث المتوترة بين إيران وإسرائيل".
جرت العادة في منذ العام 1994 أن تستقبل قاعة سانت جورج في الكرملين خطاب الرئيس الروسي السنوي لكن في العام 2018 تم نقله إلى مقر المانيج بالقرب من الكرملين، نظرًا لزيادة أعداد المشاركين في الفعالية خاصة في السنوات الثلاث الماضية.
خطاب الرئيس السنوي أمام الجمعية العامة الروسية الممثلة بمجلسي الدوما والاتحاد منصوص عليه في الفقرة "هـ" من المادة 84 من الدستور الروسي، ويحدد الرئيس فيه التوجهات الرئيسية للسياسة الداخلية والخارجية كما يُطلع أعضاء البرلمان على أهم القرارات التي اتخذها وفقًا لصلاحياته بالإضافة إلى تلخيص أهم ما أنجز في الأشهر الماضية.
ويستغرق إعداد النص عدة أشهر، بمشاركة موظفي الإدارة الرئاسية والحكومة وبعض المستشارين والخبراء. وفي هذا السياق تبدأ القنوات الروسية بعرض إشارة ترمز إلى توقيت بدأ الخطاب قبل أيام كما أن الأمر نفسه يتم عرضه على منصات وشاشات في الشوارع المختلفة.
في كل مرة يظهر فيها العد التنازلي، تزداد التكهنات في الإعلام الغربي حول نوايا روسيا، خصوصًا في ظل التهديدات النووية المتكررة من شخصيات روسية.
وفي هذا الصدد، ربطت بعض وكالات الاستخبارات الغربية بين العد التنازلي وبعض التحركات العسكرية في مناطق حساسة.
العد التنازلي في التلفزيون الروسي لم يكن مجرد مؤثر بصري، بل عنصر دعائي وإعلامي متعدد الأبعاد، سواء كان الغرض منه الترويج، التعبئة، التخويف، أو الاستعداد للإعلان عن تحولات استراتيجية، فإنه يمثل جزءًا من استراتيجية "القوة الناعمة الخشنة" التي توظفها موسكو في معركتها الشاملة مع الغرب.