في خطوة جديدة ضمن استراتيجية أمريكية طويلة المدى لتجفيف منابع تمويل حركة حماس، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، الثلاثاء 10 يونيو 2025، فرض عقوبات على خمس جمعيات وهمية وخمسة أفراد قالت إنهم يعملون على دعم وتمويل الجناح العسكري للحركة، كتائب القسام.
كما شملت العقوبات جمعية مرتبطة بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ما يعكس توجهًا أمريكيًا متصاعدًا لفرض رقابة مالية صارمة على كافة الكيانات المرتبطة بالمقاومة الفلسطينية المسلحة.
ويأتي القرار في توقيت حساس، بينما لا تزال غزة تحت الحصار والدمار الناتج عن الحرب الأخيرة التي اندلعت في أكتوبر 2023، بعد هجوم مفاجئ شنته حماس على إسرائيل، أدّى إلى مقتل مئات الإسرائيليين وأسر عدد من الجنود والمدنيين، بينهم أمريكيون.
ومنذ ذلك الوقت، تصاعدت اللهجة الأمريكية ضد حماس، واعتبرتها واشنطن "تهديدًا مباشرًا" للمصالح الإقليمية وللاستقرار في الشرق الأوسط.
العقوبات الجديدة تمثل الجولة السابعة ضمن سلسلة من الإجراءات التي بدأت منذ أكتوبر 2023، حيث ركزت الإدارة الأمريكية على ما تسميه "الجهات الوسيطة" التي تجمع التبرعات في الخارج ثم تُمرّرها لحماس عبر قنوات معقدة تتضمن واجهات خيرية ومؤسسات غير ربحية.
ووفقًا لوزارة الخزانة، فإن الأفراد والكيانات الذين تم استهدافهم حديثًا استخدموا العمل الإنساني كستار لتمويل كتائب القسام.
وقد أكدت الوزارة أن العقوبات تشمل تجميد الأصول داخل الولايات المتحدة، ومنع المواطنين الأمريكيين من التعامل مع هذه الكيانات أو الأفراد، بالإضافة إلى إجراءات مماثلة ضد شركات أو مؤسسات يملكونها جزئيًا أو كليًا.
مايكل فولكندر، نائب وزير الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، قال في البيان الرسمي:"إن حماس والجبهة الشعبية تواصلان استغلال الوضع الإنساني الحرج في غزة كغطاء لجمع الأموال من داعمين في الخارج.
ونؤكد التزامنا باستخدام كل الوسائل القانونية والمالية لمنع تدفق الدعم إلى الجماعات الإرهابية."
وأشار فولكندر إلى أن الولايات المتحدة تعمل بالتنسيق مع شركائها الدوليين، وعلى رأسهم بريطانيا وأستراليا، من أجل منع تمويل الإرهاب عبر الحدود، لافتًا إلى أن المؤسسات الخيرية أصبحت إحدى القنوات الأخطر في هذا السياق، خصوصًا تلك التي تعمل خارج الأراضي الفلسطينية وتستغل قضايا مثل الإغاثة، التعليم، والمساعدات الطبية.
وتعود جذور التوتر بين حركة حماس والولايات المتحدة إلى مطلع التسعينيات، حينما صنّفت واشنطن الحركة كمنظمة إرهابية أجنبية في عام 1997، بعد سنوات من تنفيذ عمليات داخل إسرائيل.
ومنذ ذلك الحين، تواصل الولايات المتحدة فرض العقوبات على قيادات وممولين للحركة، بل وتحاول الضغط على الدول التي تستضيف أو تتغاضى عن أنشطتها المالية.
وقد رفضت حماس مرارًا الاعتراف بإسرائيل أو الالتزام باتفاقات أوسلو، وهو ما تعتبره الولايات المتحدة عقبة أمام عملية السلام. في المقابل، تتهم الحركة واشنطن بالانحياز الكامل لإسرائيل، ودعم سياساتها في غزة والضفة الغربية، بما في ذلك الاعتداءات العسكرية والحصار الاقتصادي.
وفي السنوات الأخيرة، ازداد هذا التوتر بعد تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدة دول عربية برعاية أمريكية، وهو ما اعتبرته حماس "طعنة في ظهر القضية الفلسطينية".
وعلى الرغم من العقوبات المتكررة، لا تزال حماس تحتفظ بشبكة تمويل إقليمية ودولية، تمتد من بعض الدول العربية إلى أوروبا وأمريكا اللاتينية.
وتُتهم عدة منظمات خيرية – بعضها مرخّص في الغرب – بجمع تبرعات باسم دعم "أطفال غزة" أو "مساعدات إنسانية"، ثم تمرير جزء كبير منها إلى الذراع العسكري للحركة.
ويعتقد مسؤولون أمريكيون أن إيران تظل الداعم الأكبر لحماس، سواء ماديًا أو عسكريًا، في حين تُتهم دول أخرى بغضّ الطرف عن حركة الأموال عبر مصارفها أو أراضيها، رغم تصنيف حماس كمنظمة إرهابية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
على أرض الواقع، يعيش أكثر من 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة في ظروف إنسانية مأساوية، تزداد سوءًا مع استمرار الحرب، وتفاقم الأزمات الاقتصادية والبيئية والصحية.
وتؤدي العقوبات المتتالية إلى تعقيد عمليات الإغاثة، إذ باتت الجهات المانحة متخوفة من الوقوع تحت طائلة الاتهام بتمويل الإرهاب، مما يجعل تدفّق المساعدات أكثر بطئًا وتقييدًا.
كما أن تراجع تمويل البنى التحتية المدنية، مثل المستشفيات والمدارس ومشاريع المياه، أدى إلى انهيار الخدمات في كثير من المناطق، خاصة مع تعطل إعادة الإعمار بفعل الحصار الإسرائيلي والانقسام السياسي الفلسطيني.
ومن جهة أخرى، يرى محللون أن واشنطن تستخدم سلاح العقوبات للضغط على حماس للتراجع عن سياساتها العسكرية، لكن في المقابل، فإن هذه العقوبات تُعمّق عزلة القطاع، وتدفع السكان المدنيين نحو مزيد من الفقر والمعاناة، دون أن تحقق نتائج سياسية ملموسة حتى الآن.
بينما تمضي واشنطن في تشديد خناقها المالي حول حركة حماس، يتّضح أن الهدف ليس فقط منع التمويل، بل إعادة صياغة المشهد السياسي في غزة والضغط على الحركة من خلال عزلها ماليًا وسياسيًا.
لكن في الوقت نفسه، يدفع المدنيون في القطاع ثمن هذه الحرب غير التقليدية، إذ باتت المساعدات عرضة للشك، والاحتياجات الإنسانية عرضة للمساومة.
يبقى السؤال مفتوحًا: هل تنجح هذه السياسات في تغيير سلوك حماس؟ أم أنها ستؤدي إلى نتائج عكسية تزيد من التوتر والصراع؟
الوقت وحده كفيل بالإجابة، في ظل واقع فلسطيني معقد، وأفق سياسي يبدو غامضًا أكثر من أي وقت مضى.