آراء وأقلام

إميل أمين يكتب: «حزب أميركا»... إلى أين يقودها؟

الإثنين 09 يونيو 2025 - 06:32 ص
إميل أمين
إميل أمين

وسط الزوبعة الأخيرة الحادثة بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب، والفتى المعجزة إيلون ماسك، تبدو الولايات المتحدة الأميركية ومن جديد، أمام إشكالية الحزب الثالث، الذي يطمع في إنهاء احتكار الثنائية الحزبية التقليدية.

ماسك الذي ظهر فجأة في حياة ترمب، بعد طول بعاد ورفض لدعمه، وأضحى من ثم أكبر متبرع لسيد البيت الأبيض الحالي في حملته الانتخابية الأخيرة، وعلى الرغم من أنه تمت مكافأته بمنصب، مدير مكتب الكفاءة الحكومية، ها هو يثير كثيراً من الغبار؛ لا تجاه ترمب فحسب، بل في مقابل المؤسسات الحزبية الأميركية، والتي يؤمن ملايين الأميركيين بأنها باتت حيص بيص.

وسط ضجيج الخلاف، يعلن ماسك عن عزمه تأسيس حزب سياسي جديد في الولايات المتحدة، وبلغت به جدية التفكير حد اختيار اسم «حزب أميركا».

كتب ماسك على شبكة التواصل الاجتماعي خاصته (X): «لقد قال الشعب كلمته، هناك حاجة لحزب سياسي جديد في أميركا لتمثيل 80 في المائة من الأميركيين يقعون في المنتصف بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وقد وافقوا على ذلك، وهو قدر ينتظر البلاد».

من أين جاء ماسك بهذه النسبة المئوية المرتفعة للغاية، والمثيرة إلى أبعد حد ومد؟

نهار الخميس الماضي، طرح ماسك فكرة تأسيس الحزب الثالث لأول مرة، فقد نشر على منصته استطلاعاً يسأل فيه متابعيه البالغ عددهم 220 مليوناً عما إذا كانوا يعتقدون أن الوقت قد حان لإنشاء حزب سياسي جديد في أميركا، وفي اليوم التالي، أشار إلى أن 80 من المشاركين في الاستطلاع أيدوا الفكرة.

لا يمكن بالقطع التأكد من صحة أرقام ماسك، ولا يبدو الأمر منوطاً بفكرته، لا سيما أن فكرة تأسيس حزب سياسي جديد أسهل قولاً من الفعل، لا سيما أن الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وبعض الأحزاب الثالثية الكبرى، مثل حزب الخضر، تتمتع بالفعل بحق الوصول إلى صناديق الاقتراع في كل ولاية تقريباً، لذا فإن أي حزب ناشئ يأمل في المنافسة، حكماً سيحتاج إلى اجتياز شبكة من القواعد لكل ولاية على حدة، بهدف ضم مرشحيه إلى قوائم الاقتراع.

والشاهد أن قضية الحزب الأميركي الثالث، قد كثر من حولها الحديث منذ الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2000، حين بدأ بعض الأميركيين يشككون في فاعلية نظام المُجمع الانتخابي، كما شكك ملايين الأميركيين في النظام السياسي الذي سمح للديمقراطيين والجمهوريين بالهيمنة على أحوال ومآلات السياسة الأميركية لنحو 150 سنة، وباتت هناك شكوك كثيرة حول بقاء حزبين فقط عليهما المنافسة عملياً على السلطة.

على أن الغوص عميقاً في التاريخ الأميركي، يظهر لنا عدداً من المفاجآت بشأن فكرة التعددية الحزبية.

على سبيل المثال، في خطبة الوداع التي وجهها للأمة الأميركية البازغة، حذر جورج واشنطن، أول رئيس للولايات المتحدة من «الآثار الوبيلة للعصبية الحزبية»، وما يمكن أن تتسبب فيه من منازعات وشقاقات.

من بعده جاء جيمس ماديسون أحد الآباء المؤسسين والذي سيضحى لاحقاً الرئيس الرابع للبلاد، وأنذر الأميركيين من شرور ما سماه بلغة عصره، «الطوائف السياسية»، أي الأحزاب بالمفهوم المعاصر، وقد وصفها بأنها «تتعارض مع حقوق المواطنين الآخرين، ومع مصالح المجتمع الدائمة الكلية».

ولعل نظرة مدققة ومحققة للبيانات والقراءات الصادرة عن مركز بيو في واشنطن، أحد أهم مراكز أستطلاعات الرأي الموثوقة، توضح لنا كيف أن أغلبية الأميركيين اليوم، باتوا ينظرون إلى الحزبين الديمقراطي والجمهوري بشكل سلبي، وبشيء من التحديد فإن 37 في المائة من عينة استطلاع «بيو» الذي جرى في يوليو (تموز) 2023، ذهبت إلى أن هناك رغبة حقيقية في مزيد من الأحزاب السياسية، بهدف تجديد دماء المؤسسة الحاكمة.

قبل ذلك الاستطلاع وفي أوائل 2023، طفت على سطح الأحداث حركة «No Labels» والتي كرست جهودها لإيجاد حزب رئيسي ثالث، وكالت اتهامات الفساد للجمهوريين والديمقراطيين، على حد سواء.

اليوم وبعد مائة يوم في ولاية ترمب الثانية، يبدو السؤال الذي فجره ماسك، ربما عن غير قصد: أيكون الحزب الثالث هو الطريق الذي ينقذ الديمقراطية الأميركية التي أصابها وهن شديد، وقد تكون مرشحة لمزيد من الانفجارات الداخلية، وما يجري في لوس أنجليس من نشر للحرس الوطني، وعسكرة المشهد من جانب الرئيس، متجاوزاً سلطات الولاية الكبيرة وحاكمها الديمقراطي غافي نيوسوم، دليلاً على ذلك العطب؟

مهما يكن من شأن الجواب، فإن تفكير ماسك في حزب ثالث، يعني أنه ينتوي المضي قدماً في مسيرته السياسية، وإحداث ارتباك كبير لإدارة ترمب وانقلاب عليه.

نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط.