دراسات وأبحاث

عيد الأضحى في غزة.. بهجة غائبة وسط الركام والحصار

الجمعة 06 يونيو 2025 - 01:10 م
مصطفى سيد
الأمصار

عيد الأضحى، ثاني أكبر أعياد المسلمين، لطالما حمل طابعًا خاصًا في قلوب الفلسطينيين، وخصوصًا في قطاع غزة، حيث يختلط الفرح بالصبر، والزينة بالبساطة، والمائدة المتواضعة بالكرم الأصيل.

 كان العيد في غزة مناسبة للتسامح، ولجمع شمل العائلات تحت ظل قيم دينية راسخة تنبع من روح التضحية، التي تُمثّل جوهر المناسبة.

ومع كل عام جديد، ورغم سنوات الحصار، كان أهل غزة يصرّون على استقبال العيد بطقوسهم الجميلة، غير آبهين بالعجز الاقتصادي، ولا بانقطاع الكهرباء أو قلة الدخل. 

فملابس العيد كانت تُجهّز قبل أسابيع، وتعلو ضحكات الأطفال في الشوارع، وتُسمع تكبيرات العيد منذ فجر اليوم الأول، تعلن أن غزة، رغم الألم، قادرة على الحياة.

لكن في 2025، تغيّرت الصورة، فمنذ بدء العدوان الإسرائيلي في أكتوبر 2023، لم تهدأ الطائرات، ولم تتوقف المدافع، ولم يعد هناك متسع للفرح. دخل العيد هذه المرة في ظل دمار شبه كامل، وقوائم شهداء لا تنتهي، ونزوح داخلي بلغ حدّ الكارثة الإنسانية. لا شوارع للاحتفال، ولا أسواق مزدحمة، ولا حتى مساجد آمنة للصلاة.

تحوّل العيد من مناسبة للتزاور إلى لحظة صمت على مقبرة جماعية، ومن موسم للأضاحي إلى موسم للجوع، ومن يوم للفرحة إلى محطة جديدة من الألم. 

يعيش أكثر من مليون ونصف نازح في ظروف لا تصلح لحياة آدمية، يتقاسمون خيمة أو زاوية في مدرسة مدمّرة، ينتظرون قافلة مساعدات قد لا تأتي.

ورغم هذا السواد، تظل غزة تقول للعالم إنها باقية. لأن العيد، في أصله، لا يتعلق فقط بالمظاهر، بل بالقيم: التضحية، الصبر، والتكافل.

 وهي القيم التي يُجسّدها الغزيون بأسمى صورها، وسط أقسى الظروف التي يمر بها شعب على وجه الأرض.

عادات استقبال عيد الأضحى في غزة قبل الحرب

كانت غزة، كما باقي مدن فلسطين، تستعد لعيد الأضحى بمجموعة من العادات العميقة الجذور، التي تنعكس فيها روح الجماعة، والتقاليد المتوارثة، والحس الديني والاجتماعي:

زيارة المقابر قبل العيد: صباح يوم الوقفة، يتوجه كثيرون إلى قبور ذويهم، يقرأون الفاتحة، ويضعون الزهور، ويسترجعون الذكريات.

ذبح الأضاحي: يُعتبر ذبح الأضحية شعيرة مركزية. كان يتم بعد الصلاة مباشرة، ويتعاون الجيران في تقطيع اللحوم وتوزيعها، ما يعزز روح التعاون.

طقوس صلاة العيد: تقام عادة في المساجد الكبيرة أو الساحات المفتوحة، حيث تلتقي العائلات وتبدأ التهاني. يتزين الأطفال ويُفرَش السجاد، وتعلو أصوات التكبير.

الزيارات العائلية: تبدأ جولات التزاور من بيت الأجداد إلى الأخوال والأعمام، يصطحب فيها الآباء أطفالهم لتقديم التهاني وأخذ العيدية.

صناعة كعك العيد: تقوم الجدات بتحضير الكعك يدويًا، محشوًا بالتمر أو العجوة، وتعتبر مشاركته بين العائلات عادة جميلة تُرسّخ الترابط المجتمعي.

الأسواق الشعبية: أسواق مثل سوق الزاوية وسوق فراس كانت تزدحم قبل العيد لشراء اللحوم، الملابس، الأحذية، ولعب الأطفال.

احتفالات الأطفال: كانت المراجيح تُنصَب في الأحياء، وتُشغَّل الألعاب، وتوزَّع البالونات والحلوى.

رغم ضيق الحال في سنوات الحصار، إلا أن أهل غزة كانوا قادرين على إحياء هذه الطقوس بأقل الإمكانيات، إيمانًا بأن العيد يجب أن يُحتفل به، مهما كانت الظروف.

عيد الأضحى 2025 في غزة: العيد بين الأنقاض

نزوح جماعي وحياة بائسة

أكثر من 1.7 مليون شخص نازح حاليًا في قطاع غزة، وفقًا لوكالات الأمم المتحدة. يعيش معظمهم في خيام بلا ماء أو كهرباء أو دورات مياه آمنة.

 الخيام تغرق في الرمال والبرد ليلًا، وتُطبخ في الحر نهارًا، بينما يعاني الأطفال من أمراض جلدية وتنفسية دون رعاية صحية.

توقف الذبح وانعدام الأضاحي

بحسب وزارة الزراعة، دُمر أكثر من 80% من الثروة الحيوانية، وتوقف الاستيراد. حتى المذابح القليلة الباقية لا تعمل بسبب انقطاع الكهرباء ونقص المياه. 

أسعار المواشي وصلت لمستويات فلكية لا يمكن تحمّلها، الأُسر بدلًا من ذبح الأضاحي، تطهو ما يتوفر من العدس أو المعلبات.

الأطفال بلا ألعاب أو بهجة

منظمة "أنقذوا الأطفال" أكدت أن 70% من أطفال غزة يعانون من اضطرابات نفسية حادة، نتيجة فقدان أحد أفراد الأسرة أو القصف. 

ولا يوجد مكان للعب، ولا ألعاب، ولا كهرباء لمشاهدة التلفاز، ولا "عيدية". عيدهم هذا العام حكاية عن الألم، لا عن البهجة.

المساجد بين القصف والإغلاق

أُصيب أكثر من 600 مسجد بأضرار مباشرة. بعض الأئمة أقاموا صلاة العيد في الخلاء، دون مكبرات صوت، وبعضهم تعرّض للاستهداف أثناء محاولته تنظيم الصلاة. 

وفي رفح وخان يونس، صلى الناس بين الأنقاض، وعلى أطراف الخيام، وهم يقرأون سورة الفاتحة على أرواح الشهداء بدل التهاني.

تكبيرات خافتة ودعوات حزينة

لم تُسمع تكبيرات العيد كما كانت من قبل. عوضًا عن "الله أكبر الله أكبر"، سُمعت صرخات الأمهات اللواتي فقدن أبناءهن. 

دعوات العيد هذه السنة كانت كلها تحمل معنى واحدًا: "اللهم ارحمنا، اللهم أوقف هذا الدمار".

نقص حاد في الماء والدواء

الصليب الأحمر ومنظمة الصحة العالمية أكدت أن النظام الصحي في غزة "انهار بالكامل". لا أدوية مزمنة، ولا أجهزة تنفس، ولا غرف عمليات. 

أطباء يعملون دون رواتب، في ظروف تشبه غرف طوارئ الحرب العالمية الثانية. أما المياه الصالحة للشرب، فأصبحت تُوزع بالقطارة.

رغم كل هذا، يصر الغزيون على التمسك بروح العيد. بعضهم صنع كعكًا من طحين المعونات، بعضهم ارتدى ملابس قديمة واعتبرها جديدة، وبعض الأطفال رسموا الأضاحي على ورق الكرتون وعلقوها على جدران الخيام، ففي غزة، الحياة لا تموت.. لكنها تصرخ.

عيد الأضحى في غزة هذا العام ليس مجرد مناسبة دينية، بل اختبار لصمود شعب بأكمله. وبينما يشاهد العالم ما يحدث من بعيد، يواصل أهالي غزة استقبال العيد كما يستطيعون.. بشجاعة، ودمعة، ودعاء لا ينقطع.