تعيش الساحة الدولية حالة من التوتر الشديد بسبب تصاعد الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، حيث ازدادت حدة العمليات العسكرية الإسرائيلية التي خلفت آلاف القتلى والجرحى المدنيين، في ظل حصار خانق يفاقم من معاناة أكثر من مليوني نسمة.
وفي هذا السياق، اتخذت عدة دول أوروبية خطوات دبلوماسية وتصعيدية غير مسبوقة بحق إسرائيل، معبرة عن استيائها العميق من استمرار الحصار والغارات التي تطال المنشآت المدنية، مما أثار موجة واسعة من الاستنكار الدولي.
تتزامن هذه التطورات مع دعوات متزايدة لفرض عقوبات اقتصادية وعسكرية على تل أبيب، ووقف تدفق الأسلحة التي تُستخدم في التصعيد، وسط خلافات داخل الاتحاد الأوروبي حول الموقف السياسي المناسب. وتزداد التحذيرات من أن استمرار هذا النزاع قد يؤدي إلى أزمة إنسانية كارثية لا يمكن السيطرة عليها، خاصة مع نقص المساعدات الطبية والغذائية في غزة.
في خطوة تعبر عن تصاعد التوتر، استدعت دول أوروبية عدة سفراء إسرائيل في عواصمها، من بينها السويد، إسبانيا، وألمانيا، لتسليمهم احتجاجات رسمية ضد العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة.
السويد كانت الأكثر وضوحًا في موقفها، حيث أبلغت السفير الإسرائيلي رفضها التام للعمليات العسكرية التي تستهدف المدنيين، وطالبت بفتح ممرات إنسانية فورية.
إسبانيا عبرت عن استيائها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في غزة، مؤكدة ضرورة وقف القصف الذي يستهدف المرافق المدنية.
في ألمانيا، شهد الموقف خلافات داخل الحكومة بين من يدعم استمرار التعاون العسكري مع إسرائيل، ومن يطالب بمراجعة هذه العلاقة بسبب التصعيد الأخير.
هذه الخطوات تعكس تحولًا في موقف الاتحاد الأوروبي الذي طالما توازن بين دعم إسرائيل والضغط عليها للالتزام بالقانون الدولي.
وفي ظل تصاعد أعداد الضحايا المدنيين، تصاعدت أصوات داخل الاتحاد الأوروبي تطالب بوقف مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل، التي تُستخدم في العمليات العسكرية ضد غزة.
وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، دعا صراحةً إلى فرض حظر شامل على صادرات الأسلحة لإسرائيل، معتبراً أن استمرار الدعم العسكري يشجع على الانتهاكات.
في ألمانيا، رغم استمرار بعض الوزراء في دعم تصدير الأسلحة، تزايدت الضغوط الداخلية لتقييم هذه السياسات، خاصة بعد مقتل مدنيين في الغارات الأخيرة.
السويد تتجه نحو العمل على تشديد الرقابة الأوروبية على مبيعات الأسلحة، ضمن إطار قانوني يضمن عدم استخدامها في انتهاكات حقوق الإنسان.
هذه المطالب تأتي في ظل تقديرات تفيد بأن إسرائيل من أكبر مستوردي الأسلحة الأوروبية، ما يجعل تأثير هذا الحظر محوريًا في النزاع.
منذ بداية التصعيد، شهد قطاع غزة سلسلة غارات مكثفة استهدفت مناطق مدنية، مما أدى إلى خسائر بشرية فادحة.
في غارة أخيرة استهدفت مدرسة تابعة للأمم المتحدة كانت ملجأً للنازحين، قُتل 33 مدنياً، من بينهم نساء وأطفال.
ارتفع عدد القتلى في غزة إلى أكثر من 53 ألف شخص، بينهم أكثر من 12 ألف طفل، في حين تجاوز عدد الجرحى 122 ألفًا.
معظم المستشفيات والمنشآت الطبية في القطاع تعاني من نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، في ظل حصار يعيق وصول الإمدادات الإنسانية.
الجانب الإسرائيلي يؤكد أن الهجمات تستهدف مواقع تابعة لحركة حماس، إلا أن الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان تدين استخدام القوة المفرطة واستهداف المدنيين.
تشهد غزة أزمة إنسانية متفاقمة، مع استمرار الحصار الإسرائيلي الذي يمنع وصول الغذاء والدواء، مما أدى إلى:
نفاد مخزون الأدوية والمستلزمات الطبية في المستشفيات، ما يهدد حياة آلاف المرضى والجرحى.
تدهور حالة المياه والصرف الصحي، ما يزيد من مخاطر تفشي الأمراض المعدية.
منظمة الصحة العالمية أعلنت أن الإمدادات الطبية تكفي فقط لبضعة أسابيع، مع تعذر إيصال أي مساعدات منذ أكثر من 11 أسبوعًا.
مديرة مكتب منظمة الصحة العالمية في شرق المتوسط، حنان بلخي، أكدت أن الوضع في غزة كارثي، داعية إلى فتح ممرات إنسانية عاجلة لتفادي كارثة صحية وإنسانية.
أعلنت مؤسسة "غزة الإنسانية" المدعومة من الولايات المتحدة استقالة رئيسها، جيك وود، مشيراً إلى صعوبات بالغة في عمل المؤسسة نتيجة التضييقات الإسرائيلية وشبهات عن تعاون بعض المؤسسات مع السلطات.
هذه الاستقالة تعكس التحديات المتزايدة أمام المنظمات الدولية في إيصال المساعدات إلى المتضررين، وسط أجواء من التشكيك والرقابة المشددة.
الموقف الأوروبي المتغير يعكس تصاعد الضغوط على إسرائيل، ويشير إلى تحول في السياسة التقليدية التي تميل إلى دعم تل أبيب، خصوصًا في ظل أرقام الضحايا المروعة.
الخلافات داخل الاتحاد الأوروبي تظهر تحديًا في تنسيق موقف موحد، خاصة بين الدول التي تربطها علاقات استراتيجية مع إسرائيل وتلك التي تدافع عن حقوق الإنسان بشكل أكثر صرامة.
الدعوات لحظر تصدير الأسلحة تعكس رغبة أوروبية في تقليل العنف، لكنها قد تثير ردود فعل إسرائيلية وأمريكية، كون الولايات المتحدة من أكبر داعمي إسرائيل عسكريًا.
استمرار الحصار والعمليات العسكرية يعرض المنطقة لخطر تفجير أوسع، مع تهديد للاستقرار في الشرق الأوسط بأكمله.
في ظل هذه الأزمة الإنسانية المتفاقمة، تبدو الدعوات الدولية والإقليمية لوقف إطلاق النار وفتح ممرات إنسانية بمثابة الضوء الوحيد أمام المدنيين المحاصرين في غزة.
وتبقى المعضلة الكبرى في مدى قدرة المجتمع الدولي، وبالأخص الاتحاد الأوروبي، على الضغط على إسرائيل وتغيير مواقفها، لإنقاذ أرواح آلاف الأبرياء ومنع حدوث كارثة إنسانية قد تكون الأسوأ في التاريخ الحديث.