آراء وأقلام

فؤاد مطر يكتب: «آمال معقودة على انفراجات لم تعد مستحيلة»

الأربعاء 21 مايو 2025 - 07:44 ص
فؤاد مطر
فؤاد مطر

هذه الأجواء من المشاعر التي اتسمت بها الكلمات المتبادلة خلال القمة التاريخية في الرياض بين زائر المملكة العربية السعودية للمرة الأولى في رئاسته الثانية الرئيس دونالد ترمب، وولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، خصوصاً ما قالاه في شأن النهوض المتعدد المناحي، وفي شأن الصراع العربي - الإسرائيلي، وذروة مأساة هذا الصراع ما يحصل منذ سنتين في غزة... هذه الأجواء تحمل في طياتها الكثير من الآمال المعقودة على انفراجات لم تعد مستحيلة الحدوث في الأحوال العربية عموماً. وقد لا تكون الآمال معقودة بشكل حاسم على ما قيل في القمة العربية في بغداد، وما أمكن اتخاذه من قرارات ومبادرات، إحداها من أجل إعادة إعمار غزة وإعمار مناطق في لبنان، وكذلك ما جرى التوافق على تسجيله كموقف تجاه الموضوع الفلسطيني والصراع العربي - الإسرائيلي، إلا أن هذه الأجواء قد تُساعد في تعديل نوعي في الموقف الأميركي من الصراع المشار إليه، وبما يعني التفهم بأعلى درجاته إلى أن مصلحة الغرب في ضوء ما جرى وتم الاتفاق عليه في كل من السعودية وقطر ودولة الإمارات، من شأنه تشكيل مشهد في مسار العلاقات لم يكن محسوماً أمره بما فيه الكفاية. وهنا يستوقفنا الشعور الصادم في الأوساط السياسية والحزبية الحاكم منها والمعارض المدني والعسكري على حد سواء في إسرائيل، وعَكَسَتْه بكثير من الجرأة كتابات وتعليقات في الصحف ووسائل الإعلام الإسرائيلية عموماً، من بينها على سبيل المثال صحيفة «يديعوت أحرونوت» الجمعة 16 /5 /2025، خصوصاً عبارة «لقد تحولنا من مكسب للولايات المتحدة إلى عبء عليها، وأن ترمب اكتشف أن إسرائيل غير معنية بالمشاركة في مشروعه الاقتصادي - السياسي لدفع الشرق الأوسط نحو حقبة جديدة، وهكذا فإن إسرائيل ترفض في الواقع مساعدة نفسها...».

وكذلك ما نُشر في صحيفة «هآرتس» الثلاثاء 13 /5/ 2025، التي جاء في أحد مقالات الرأي فيها «لن نهزم (حماس) لأن الجيش في وضْعه الحالي غير قادر على حسْم المعركة. في ظل فشلنا سنفقد علاقاتنا مع دول عديدة في العالم، وسيتواصل اتهامنا بارتكاب جرائم حرب، كما سنفقد قدراتنا الاقتصادية، وسيرتفع الانفجار الاجتماعي في إسرائيل إلى مستوى جديد، ولن يفصل بين الوضع الاجتماعي السيئ القائم والحرب الأهلية سوى شعرة...». وفي «هآرتس» أيضاً تحليل سياسي يخلص كاتبه إلى القول: «إن قادتنا غير عقلانيين، وهم منفصلون عن الواقع، ويستخدمون الجيش أداةً لخدمة مصالح ضيقة تخص السُّلطة على حساب أمن الدولة...». كما في «هآرتس» تعليق لاحق جاء فيه: «إنّ ترْك العدو وظهره إلى الحائط لا يؤدي إلا إلى إطالة أمد الحرب. ومرة أُخرى على غرار ما حدث في فيتنام والعراق وأفغانستان ولبنان سيغرق الجيش الإسرائيلي في المستنقع، وينزف الخسائر، في حين تتكدس جثث الفلسطينيين وتتعاظم الرغبات في الانتقام من الناجين منهم...».

هذا الكلام مثل اهتزاز كراسي أهل الحكم في إسرائيل، لم يكن حاصلاً قبل الانسجام النوعي فيما طرحه من أفكار ولي العهد السعودي على ضيف المملكة، ثم قطر والإمارات بعد ذلك، وما اتخذه من خطوات جعلت الرئيس الأميركي في رؤيته للوضع في الشرق الأوسط غيرها قبل الزيارة، ونكاد نأمل أن الزيارة ستجعل السنوات الترمبية الأربع أكثر تفهماً للصراع العربي - الإسرائيلي، كما أكثر طمأنينة للوضع الاجتماعي عموماً في الولايات المتحدة. ومن الجائز الافتراض أن أجواء القمة السعودية - الأميركية، وما نتج عنها من تفاهمات وتفهمات، أضافت من جانب القادة الذين شاركوا في القمة العربية في بغداد أو أوفدوا كل من يترأس وفد الدولة ما من شأنه تحفيز الإدارة الأميركية على اتخاذ ما هو مأمول منها اتخاذه في شأن الوضع المأساوي في غزة، وكيف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يصغي بما فيه الحسم إلى الأخذ بالتهدئة. كما لا تستوقفه مسيرات الاحتجاج الدولية التي يلفت الانتباه حدوثها في اليوم الذي كان الخطاب السياسي للقمة العربية في بغداد على درجة من المسؤولية؛ حيث أبقى بيانها الختامي وقراراتها تحت سقف المطالب الموضوعية، ومن دون حتى مطالبة الولايات المتحدة ودول أوروبا بوقف السلاح على أنواعه الفتّاكة للعرب، وهي مطالب دعت إليها بالصوت العالي المسيرات الاحتجاجية في باريس ولندن ولاهاي ومالمو (السويد) ونيويورك، وحدثت من باب المصادفة في ذكرى النكبة ويوم انعقاد القمة العربية. ومن مستجدات حرب نتنياهو على غزة أنه في اليوم نفسه أحرقت جولة قصف جوي خياماً تؤوي عائلات فلسطينية في غزة سبق أن جرى تدمير منازلها.

ويبقى القول إن أجواء قمة بغداد كانت في معظم ما اتخذته من قرارات وخطوات من بينها مشروع «صندوق التعافي» لانتشال غزة ولبنان من أحوالهما المتردية، وعلى صعيد الدعوة إلى وضع حد لما يعصف ببعض دول الأمة من صراعات واحترابات أكثرها إيلاماً ما يحدث في السودان، كانت بمثابة رسالة مفادها أن أجواء القمة العربية كانت تحاكي أجواء القمة التاريخية في الرياض. وعند ذلك ينشط السعي الدولي - العربي لوضع الأمور العالقة على سكة الفهم والتفاهم.

نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط.