دراسات وأبحاث

الصومال يشعل جبهات الإرهاب.. عمليات نوعية تُربك "الشباب" و"داعش"

الثلاثاء 20 مايو 2025 - 12:09 ص
مصطفى سيد
الأمصار

تعيش الصومال في هذه الفترة على وقع تطورات ميدانية وأمنية متسارعة، مع تصعيد غير مسبوق في العمليات العسكرية التي تشنها الحكومة الفيدرالية ضد الجماعات الإرهابية التي طالما شكلت تهديدًا وجوديًا للدولة والمجتمع.

وفي قلب هذا التصعيد، تقود القوات الصومالية، مدعومة بتعاون دولي متزايد، حربًا مفتوحة ضد تنظيمي "الشباب" و"داعش"، وسط تضاريس معقدة وظروف إنسانية واقتصادية صعبة.

الحملة العسكرية التي بدأت منذ عام 2022 بدعم شعبي وعشائري واسع، تشهد اليوم تحولًا نوعيًا، بعد أن نجحت العمليات الأخيرة في استهداف قيادات بارزة، وتدمير بنى تحتية لوجستية واستراتيجية للجماعات المتطرفة في وسط وجنوب البلاد. 

ويأتي هذا التقدم في ظل سعي حكومي حثيث لربط المسار الأمني بالإصلاح السياسي، بما يعيد للصومال دوره كمكوّن فاعل في القرن الإفريقي.

وفي موازاة الميدان، تبذل القيادة الصومالية جهودًا حثيثة لترسيخ نظام ديمقراطي حديث، وسط تحديات تتعلق بتوحيد السلطة، وتحقيق مصالحة وطنية شاملة، وتأمين المناطق المحررة. 

وتؤكد السلطات أن "حركة الشباب" في تراجع، إلا أن التهديد لا يزال قائمًا في ظل قدرة التنظيم على تنفيذ هجمات انتحارية وخاطفة.

وفي ظل هذه التطورات، يرى مراقبون أن المرحلة المقبلة ستشهد تصعيدًا أكبر، حيث تسعى الحكومة إلى إحكام السيطرة الكاملة على الإقليم، بالتزامن مع إصلاحات داخلية، ودفع جهود إعادة الإعمار، وبناء المؤسسات، وتحقيق الاستقرار الدائم.

وسط تصاعد العمليات الأمنية والعسكرية في الصومال، تدخل البلاد مرحلة جديدة من المواجهة الحاسمة ضد الإرهاب، حيث يقود الجيش الوطني حملة موسعة لتطهير البلاد من فلول حركة "الشباب" وتنظيم "داعش"، بمساندة جوية ولوجستية من شركاء دوليين أبرزهم الولايات المتحدة.

العملية لم تعد مجرد حملة عسكرية، بل تحولت إلى استراتيجية وطنية شاملة، تستهدف تفكيك البنية التحتية للتنظيمات الإرهابية، وترسيخ أسس الدولة الحديثة بعد عقود من الفوضى والانقسامات.

الحكومة الصومالية بقيادة الرئيس حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء حمزة عبدي بري، تراهن على اللحظة الراهنة لإعادة هيبة الدولة، مستفيدة من الدعم الشعبي المتزايد، وتنامي الوعي الوطني بضرورة إنهاء مرحلة التنظيمات المتطرفة.

في هذا السياق، تبرز حركة الشباب كأخطر وأطول التنظيمات عمرًا في البلاد، والتي كانت تسيطر على مساحات واسعة من الأقاليم الجنوبية، وتفرض نظامًا قمعيًا على المدنيين تحت راية "الشريعة المتطرفة".

ورغم الضربات المتلاحقة التي تلقتها "الشباب"، إلا أن التنظيم لا يزال يمتلك القدرة على تنفيذ هجمات مباغتة، مستهدفًا مؤسسات حكومية وأماكن عامة ومدنيين، مما يستدعي يقظة دائمة وتنسيقًا محكمًا بين الدولة والمجتمع الدولي، لإنهاء هذه المرحلة الدامية من تاريخ الصومال.

حملة عسكرية شاملة في قلب معاقل الإرهاب

في تطور لافت، أعلنت وزارة الإعلام الصومالية مقتل أكثر من 70 عنصرًا من "الشباب" في إقليم هيران، خلال عملية عسكرية مشتركة للجيش ومليشيات محلية مساندة. 

العملية استهدفت قواعد ومخابئ للتنظيم في مناطق نائية، واستُخدمت فيها أسلحة ثقيلة وغارات جوية دقيقة.

جاء ذلك بعد يومين من هجوم انتحاري دموي نفذه انتحاري تابع لـ"الشباب" على معسكر تدريب قرب أكاديمية مقديشو العسكرية، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى بين المجندين الجدد.

 وأثار الهجوم موجة غضب شعبي، وسط دعوات بتسريع العمليات لتأمين العاصمة وضواحيها.

وفي الشمال الشرقي، نفذت القوات الصومالية بالتنسيق مع "أفريكوم" غارة دقيقة استهدفت خلية تابعة لتنظيم "داعش" في جبال علمسكاد ببونتلاند، ما أدى إلى مقتل عدد من عناصر التنظيم.
وشنت القوات أيضًا عملية في ولاية غلمدغ وسط البلاد، أسفرت عن مقتل 3 عناصر من "الشباب"، بينهم مسؤول أمني بارز، واعتقال أحد الأعضاء الفاعلين.

حركة الشباب.. سنوات من الإرهاب والدمار

تأسست حركة الشباب الصومالية عام 2006 كفرع متشدد من اتحاد المحاكم الإسلامية، ثم تحولت إلى تنظيم إرهابي يتبع فكر "القاعدة"، وتوسعت تدريجيًا لتسيطر على مناطق واسعة من جنوب ووسط الصومال.
ورفعت الحركة شعار "تطبيق الشريعة"، لكنها مارست القمع والتنكيل، ونفذت مئات الهجمات الإرهابية ضد المدنيين والمؤسسات.

ومن أبرز جرائم الحركة خلال السنوات الماضية:

الهجوم على فندق “ماكّا المكرمة” بمقديشو (2015): أسفر عن مقتل أكثر من 20 شخصًا.

تفجير شاحنة مفخخة في مقديشو (أكتوبر 2017): قُتل فيه أكثر من 500 مدني، ويُعد من أسوأ الهجمات الإرهابية في تاريخ إفريقيا.

استهداف مقرات حكومية وبرلمانية، ومحاولات اغتيال وزراء وقادة عسكريين.

فرض “محاكم شرعية” ميدانية تقضي بالرجم أو الإعدام في الساحات العامة.

تجنيد الأطفال قسرًا، واستخدامهم كجنود انتحاريين أو دروع بشرية.

فرض ضرائب بالقوة على السكان والتجار في المناطق التي سيطرت عليها.

وقد أدت تلك الأعمال إلى تشريد آلاف العائلات، وتدمير البنية التحتية لعدة مدن، وعرقلة مشاريع التنمية والإغاثة، مما جعل الصومال لفترة طويلة ساحة مفتوحة للفوضى والتطرف.

الرد الحكومي: تطهير الأرض وبناء الدولة:

منذ عام 2022، بدأت الحكومة الصومالية حملة غير مسبوقة لاستعادة الأراضي من قبضة الجماعات الإرهابية، مستندة إلى دعم العشائر المحلية والغارات الجوية التي تنفذها "أفريكوم"، بالإضافة إلى خطط أمنية وإدارية لإعادة بناء المناطق المحررة.

وفي تصريحات رسمية، قال رئيس الوزراء الصومالي إن "معركتنا ضد الإرهاب تسير بخطى ثابتة"، مؤكدًا أن الحكومة لن تتوقف حتى تطهير البلاد من كل مظاهر التطرف. وأشار إلى أن هذه المعركة "ليست فقط عسكرية، بل تشمل التعليم، والتوعية، وتحقيق العدالة".

الآفاق القادمة: أمن دائم أم هدنة مؤقتة؟

رغم النجاحات العسكرية، يحذّر محللون من أن النصر على الإرهاب يتطلب ما هو أكثر من العمليات الميدانية، مشيرين إلى أهمية الاستثمار في إعادة الإعمار، والتعليم، وتوفير الوظائف، خصوصًا للشباب الذين يشكلون الوقود الأساسي للتجنيد الإرهابي.

كما يرى البعض أن استمرار الدعم الدولي – خصوصًا من الولايات المتحدة، وتركيا، والاتحاد الإفريقي – سيكون حاسمًا في ضمان استمرار الاستقرار، وتحقيق انتخابات ديمقراطية نزيهة، وتحقيق مصالحة وطنية شاملة.

بعد سنوات من الظلام، يبدو أن الصومال يخطو بثقة نحو استعادة سيادته وتماسكه الوطني، مدفوعًا بعزيمة أبنائه وإصرار قيادته السياسية على محو إرث الإرهاب.
ومع كل ضربة تسقط فيها قيادات "الشباب" و"داعش"، تزداد مساحة الأمل في أن تنهض الصومال مجددًا، كدولة مستقرة وفاعلة في محيطها الإفريقي والدولي.