قبيل زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للعاصمة السعودية الرياض، قصد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي مدينة جدة، مجتمعاً مع وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، 10 مايو (أيار) الجاري، حيث جرى «استعراض العلاقات الثنائية، وسبل دعمها في مختلف المجالات... إضافة إلى بحث آخر التطورات الإقليمية، والجهود المبذولة بشأنها»، وفق وزارة الخارجية السعودية.
هذه الزيارة تأتي في سياق المشاورات الدائمة بين الرياض وطهران، والتي تكثفت في الأسابيع الأخيرة، إذ باتت السعودية مواكبة لتطورات المفاوضات الإيرانية - الأميركية التي جرت جولتها الرابعة في سلطنة عمان، الأحد 11 مايو الجاري؛ وهو الحوار الذي تأمل الرياض أن يقود إلى اتفاق سياسي عادلٍ يعالج المشكلات المتعلقة بالملف النووي الإيراني، وإنهائها سلمياً.
هناك تواصل دائم بين الرياض والعواصم المعنية بملف التفاوض: واشنطن، طهران، مسقط.
وذلك مؤشر بالغ الدلالة على أن الخطأ الذي وقعت فيه إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، لم تكرره إدارة الرئيس دونالد ترمب، حين استبعد أوباما دول الخليج العربي من سياق المفاوضات ولم يهتم لمصالحها أو يأخذ ملاحظاتها في الاعتبار.
هذه المواكبة السعودية للمفاوضات تفيد أطرافها، وتمكن من تدخل حاسم لفتح أبوابٍ قد تنغلق بين المتفاوضين.
إن السعودية في أدوارها الحيوية الحالية، ساهمت في تجنيب منطقة الشرق الأوسط تبعات مواجهة عسكرية غير محسوبة العواقب بين إسرائيل وإيران، وعزَّزت مسار الحوار لكي يكون هو القناة الأمثل لحل الخلافات بين الولايات المتحدة وإيران، وخلقت مناخات إيجابية شجعت دولاً عربية أخرى على التعامل مع إيران سياسياً ودبلوماسياً، وإن عبر سياسة خطوة بخطوة.
يوم الثلاثاء المنصرم، 6 مايو، أعلن الرئيس ترمب عن أن الحوثيين سيتوقفون عن استهداف السفن الأميركية في البحر الأحمر، وبالتالي سيضمنون عدم تعرضهم لضربات عسكرية أميركية، وهو تطور مهم رحبت به المملكة العربية السعودية، إيماناً منها بضرورة «حماية الملاحة والتجارة الدولية».
هذه الخطوة المتقدمة بين الإدارة الأميركية والحوثيين قُبيل زيارة ترمب السعودية والإمارات وقطر، تعكس رغبة أميركية وإقليمية في التهدئة وتخفيف حدة التوتر، وإذا ما ساهمت إيران في حث حلفائها الحوثيين على الالتزام بما تم التعهد به، والانخراط لاحقاً في عملية سلام يمني داخلي وتشكيل حكومة وحدة وطنية، إذا ما قامت طهران بهذا الدور الإيجابي، فإن ذلك سيعد مؤشراً كبيراً على التغير في سياسات إيران وانخراطها في تعزيز الأمن والاستقرار.
عراقياً، يلتزم حلفاء إيران بعدم مهاجمة القواعد الأميركية، ووقف إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل. وفي لبنان، يلتزم «حزب الله» حتى الساعة عدمَ الرد على الخروق الإسرائيلية المتكررة، بانتظار البدء في عملية تحول حقيقية تجعل السلاح محصوراً بيد الدولة اللبنانية وفقط.
أما في سوريا، ورغم أن العلاقات لا تزال مقطوعة بين إيران وحكومة الرئيس أحمد الشرع، فإن هناك على الأغلب قنوات رسائل غير معلنة يتم تبادلها بعيداً عن الإعلام عبر وسطاء إقليميين، ولا يستبعد أن تكون هنالك مصالحة تدريجية.
هذه الملفات الخارجية إذا أدارتها حكومة الرئيس مسعود بزشكيان بهدوء ودبلوماسية، وقدمت ضمانات حقيقية في ما يتعلق ببرنامج الصواريخ الباليستية، وحدت من الأنشطة السلبية للفصائل المسلحة التابعة لها في الإقليم؛ كل ذلك سيدفع نحو فتح مجالات أكبر للتعاون مع دول الخليج العربي.
إن زيارة ترمب السعودية والإمارات وقطر، ليست مجرد جولة خارجية عادية، بل مؤشر على سياسات ترمب تجاه الخليج العربي والشرق الأوسط، وستكون هنالك اتفاقيات وشراكات عدة: اقتصادية وأمنية وسياسية وتكنولوجية، فمجالات التعاون والاستثمار واسعة وتدعمها إرادة سياسية واضحة من قيادات هذه الدول.
إيران اليوم أمام نموذج ماثلٍ للشراكة الإقليمية، وهي من تستطيع أن تحدد مكانها ضمن هذه المنظومة، وكيف تكون دولة فاعلة في البناء والتحديث ودعم الاستقرار والأمن، وكل ذلك يعتمد على القرار الذي تتخذه طهران، لتحيد عن نفسها خطر الأعمال العدائية الإسرائيلية من جهة، ولتحقق التنمية التي يتوق لها شعبها من جهة أخرى، وهو شعب حيويٌّ جدير بأن يشارك أشقاءه في دول الخليج العربي مسيرتهم نحو التقدم والرفاهية.
نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط.