آراء وأقلام

مصطفى فحص يكتب: «بغداد ـــ دمشق ـــ بيروت.. الاستقرار والاستثمار»

الجمعة 09 مايو 2025 - 07:01 ص
مصطفى فحص
مصطفى فحص

تنهمك الحكومة العراقية في ترتيباتها لإنجاح مؤتمر القمة العربية المقبل في بغداد، فمن العاصمة وإليها تزدحم المواقف والزوار، وينهمك أصحاب القرار في تثبيت استقرارها من أجل تعزيز الاستثمار؛ هذا الاستثمار المركَّب بين ثنائيات السياسة والاقتصاد، الجغرافيا والثروة، المصدّر والمستورد، أي المنتج بين المصادر والممرات. لذلك، فإنَّ كلاً من الاستقرار السياسي والأمني يفرض نفسه شرطأً مسبقاً لأي استقرار يسبق كلاً من رأس المال العام والخاص في منطقة يعجُّ باطنها بالثروات وجغرافيتها بالأزمات.

تتطلّع بغداد إلى الممرات ببُعد جيواستراتيجي يعزز ارتباط اقتصادها بالعالم، بصفتها الوسيط الحيوي ما بين المنتِج والمستهلك. لذلك، اتجهت نحو دمشق وبيروت بوصفهما ممراً إلزامياً لثرواتها نحو حوض المتوسط والعالم. فالحكومة هنا قدّمت المصلحة على الموقف، متجاوزةً آثار الماضي، ومستندةً إلى براغماتية سياسية تتماشى مع واقع جيوسياسي متغير: إن لم تُدركه يُحاصرها، وإن رفضته يعزلها.

في دمشق، تدرك إدارتها السياسية الجديدة أهمية موقعها الجغرافي بين بغداد وبيروت، وأن ربط السياسة بالمصلحة يمنحها نفوذاً جيوسياسياً ويعيد تأهيلها للعب دور بين الدول التي تحاذيها. فموقعها كدولة ممرات حتمية يعني استثمار الجغرافيا من أجل العبور بسوريا الجديدة نحو الاستقرار، الذي تُقضّ مضاجعه دولٌ منافسة من مصلحتها عدم استقرار سوريا، وإعاقة مصالحها مع جوارها القريب العربي، والبعيد الأوروبي. وهذا ما جعل الرياض أول محطة عربية للرئيس السوري أحمد الشرع، وباريس أول محطة أوروبية، وهما الدولتان المهتمتان برفع العقوبات عن دمشق من أجل تسريع اندماجها السياسي والاقتصادي مع المجتمع الدولي.

تنظر تل أبيب بريبة إلى الحراك السوري، وتُقابله بعنفٍ أشبه بإعلان حرب، وبذرائع جماعاتية تستغلها من أجل تمزيق النسيج الاجتماعي والجغرافي لسوريا. فأحداث الساحل السوري، ومحاولة إشعال الفوضى، إلى الوضع المتوتر في الجنوب والسويداء... قد تكون في ظاهرها أزمة العلاقة بين المركز والأطراف، بين الأغلبية والأقلية... وهنا يبرز واجب الأغلبية في التمسك بالتعددية، وواجب الأقلية في الاندماج في دولة تحفظ حقوق جميع مواطنيها من دون امتياز لأحد على أحد. فتل أبيب ليست حامية لأحد، ولا حليفة إلا لمصالحها. أما باطن الأمر، فإنَّ إعادة تشغيل خط النفط العراقي إلى بانياس، وصولاً إلى طرابلس، أو تفكير دول الخليج بإعادة تشغيل خطوط نقل الطاقة عبر الجنوب السوري -التي توقفت بعد احتلال الجولان- أو بناء خطوط نقل جديدة، يُمثّل ضرراً جيواقتصادياً كبيراً لتل أبيب، ومن هنا تبدو واضحة أسباب حربها على الجغرافيا السورية.

في بيروت، باتت طريق المطار سالكة ذهاباً وإياباً، ومرافئها الجوية والبحرية في كامل جاهزيتها لاستقبال زوارها. فقد نجحت حكومة رئيس الوزراء نواف سلام في تأمين جميع المستلزمات الأمنية والخدماتية من أجل ضمان عودة الأشقاء العرب والأصدقاء إلى لبنان، وهي تستعد سياسياً وإصلاحياً من أجل انتقال اقتصادي، من عناوينه تحويل مرفأي بيروت وطرابلس إلى واجهة بحرية لسوريا والأردن والعراق، من خلال شركات جيواقتصادية بين الدول الثلاث، بدأها سلام في زيارته لدمشق، وتُستكمل في زيارته المرتقبة لبغداد.

يقول رئيس الوزراء العراقي، في مقال نشره أمس (الخميس)، في صحيفة «الشرق الأوسط» بعنوان «قمة بغداد: نحو نهج عربي جديد»: «لكنَّ بغداد، وهي تستقبل القادة العرب، لا ترى في ذلك مجرد اجتماع بروتوكولي، بل تراه علامة فارقة وفرصة تاريخية لتجديد مشروع العمل العربي المشترك، واستعادة زمام المبادرة، وتثبيت موقع العالم العربي كقوة فاعلة لا ساحة تنازع». وعليه، إذا كانت السياسة هي التعبير المكثف للاقتصاد، أو الاقتصاد هو التعبير المكثف للسياسة، ففي الحالتين فإنَّ الاقتصاد ليس مجرد أداة سياسية، بل هو الفاعل القادر على إعادة تشكيل الأولويات السياسية بين الدول بسرعة وثبات.

نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط.