دراسات وأبحاث

أجواء انفراج بين الهند وباكستان مع تبادل التهدئة وإشارات لخفض التصعيد

الخميس 08 مايو 2025 - 07:53 ص
مصطفى عبد الكريم
الهند و باكستان -
الهند و باكستان - صورة تعبيرية

تُلوّح في الأفق بوادر انفراج بين الجارتين النوويتين، «الهند وباكستان»، بعد سنوات من التوتر والتصعيد المتبادل. ففي مشهد نادر يعكس تحولاً في النبرة السياسية، تبادلت الدولتان إشارات واضحة للتهدئة، وفتحتا الباب أمام مسار دبلوماسي مُحتمل نحو خفض التصعيد. هذا الحراك الجديد يعكس رغبة ضمنية لدى الطرفين في تجنب مواجهة مباشرة، وسط متغيرات إقليمية ودولية تُعزز من الحاجة للاستقرار والحوار.

نصر مزدوج يفتح باب التهدئة بين الهند وباكستان

وفي أعقاب الاشتباكات "الدامية" التي شهدها يوم الأربعاء، والتي أعلنت «الهند وباكستان» خلالها تحقيق النصر، يرى خبراء أن الجانبين أمام لحظة مناسبة لتفادي مزيد من التصعيد، حسبما أفادت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية.

وشنَّت «الهند» في ساعات الفجر الأولى من أمس الأربعاء (8) مايو، غارات جوية استهدفت عدة مواقع داخل الأراضي الباكستانية، ردًّا على هجوم وقع الشهر الماضي في منطقة كشمير حمّلت مسؤوليته لجارتها باكستان.

وتعد هذه الغارات الأعمق للهند داخل باكستان عبر عقود من العداء بين القوتين النوويتين، إذ أسفرت عن مقتل أكثر من (20) شخصًا في ضربات استهدفت ما بين ستة إلى تسعة مواقع، بما في ذلك بلدات معروفة بإيواء قادة تصنفهم الهند إرهابيين.

في المقابل، أكدت «باكستان»، أن قواتها تمكنت من إسقاط عدة طائرات هندية، وأشارت تقارير رسمية من نيودلهي، بالإضافة إلى دبلوماسيين غربيين، إلى سقوط ثلاث طائرات على الأقل، وهو ما وصف بتطور محرج للهند، التي كانت تأمل تجنب تكرار سيناريو مماثل حدث في آخر تبادل للضربات العسكرية مع باكستان في عام (2019).

بارقة أمل للتهدئة

يرى المحللون، بحسب الصحيفة الأمريكية، أن نتائج المواجهة قد تُوفر لكلا البلدين فرصة لإعلان التراجع عن مزيد من التصعيد، إذ أكد وزير الخارجية الهندي، «فيكرام ميسري»، أن "هذه الإجراءات كانت مدروسة وغير تصعيدية ومتناسبة ومسؤولة"، في إشارة واضحة إلى رغبة بلاده في احتواء الموقف.

وعلى الطرف الآخر، صرح رئيس الوزراء الباكستاني، «شهباز شريف»، في خطاب له: "كانت قواتنا المسلحة في حالة تأهب على مدار الساعة، مُستعدة لإسقاط الطائرات المعادية.. الطائرات الهندية الخمس التي سقطت الليلة الماضية كان يمكن أن تكون عشرًا، لكن طيارينا وصقورنا تصرفوا بحذر".

وبخلاف تصريحات «شريف»، التي أظهرت ميلًا نحو التهدئة، أعلنت باكستان إعادة فتح مجالها الجوي، في إشارة إلى عودة تدريجية للوضع الطبيعي.

وقال «شاشي ثارور»، عضو البرلمان الهندي، لـ«نيويورك تايمز»: "طبيعة المذبحة التي وقعت الشهر الماضي في كشمير لم تترك للحكومة الهندية خيارًا سوى تنفيذ عمل عسكري، وإلا سيشعر الإرهابيون بأنهم يستطيعون القدوم والقتل والإفلات من العقاب"، مُضيفًا أن الرد الهندي "تم معايرته بحساسية" للتأكد من تقليل أي فرصة للتصعيد.

ويرى «ثارور»، أنه "إذا كان صحيحًا أن باكستان تمكنت من إسقاط طائرات هندية، فيمكنها بسهولة أن تحاجج بأن الشرف قد تم استيفاؤه"، ما قد يُمهد الطريق للتهدئة.

ضغوط نحو خفض التوتر

تُشير التحليلات، بحسب «نيويورك تايمز»، إلى أن الجانب الباكستاني -رغم حاجته لإظهار القوة ضد الهند- لديه أسباب قوية لتجنب مزيد من التصعيد، إذ لا تستطيع إسلام أباد تحمل تكاليف حرب طويلة في ظل أزمة اقتصادية حادة تعاني منها.

كما أن باكستان تُواجه معضلة مُعقدة في اختيار أهداف داخل الأراضي الهندية، فلا توجد في الهند منظومة إرهابية مُعينة، على حسب زعم نيودلهي، يُمكن استهدافها في هجمات انتقامية، والخيار المحتمل بضرب منشآت عسكرية هندية قد يخاطر باستدعاء رد أكثر عنفًا.

التباس في التطورات الميدانية

بينما بدا أن هناك إجماعًا واسعًا على الأضرار التي ألحقتها الضربات الهندية بالجانب الباكستاني، ظلت تفاصيل إسقاط الطائرات الهندية غامضة، ما قد يُوفر مساحة للتفسيرات المختلفة.

وتُشير الروايات من الجانبين، حسب «نيويورك تايمز»، إلى أنه من غير المرجح أن تكون الطائرات الهندية عبرت المجال الجوي الباكستاني، وكل المؤشرات تدل على أن الهند نفذت ضرباتها، إما من الجو أو بصواريخ أرضية، من أراضيها.

وأوضح مسؤولون عسكريون باكستانيون أنهم استخدموا صواريخ جو-جو لإسقاط الطائرات، وهو ما لا يُمكن التحقق منه بشكل مستقل.

وفي اتصالات مع دبلوماسيين أجانب، وصف المسؤولون الباكستانيون المواجهة بأنها "معركة جوية استمرت قرابة ساعة على طول الخط الفاصل بين الهند وباكستان".

وأشار محللون عسكريون إلى أنه نظرًا للصواريخ طويلة المدى التي يمتلكها البلدان في ترساناتهما، فإنهما لا يحتاجان إلى اختراق المجال الجوي لبعضهما البعض لتنفيذ ضربات عبر الحدود.

الدبلوماسية أمام اختبار حاسم

من جهته، أكد الجنرال المتقاعد «محمد سعيد»، الذي شغل منصب رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الباكستاني، في حديثه لصحيفة «نيويورك تايمز»، أن الطرفين يحتاجان إلى مساعدة دولية لتخفيف التوترات.

وأضاف: "يجب أن يفهم المجتمع الدولي، بغض النظر عن انشغالهم بأوكرانيا أو غيرها، أن هذه أزمة متصاعدة ذات تداعيات هائلة. إذا انزلقت المنطقة إلى حرب مفتوحة، وليس هناك إطار لإدارة الأزمة، فماذا بعد؟".

وأكد «سعيد»، ضرورة وجود "دفع مستدام للمشاركة" من قبل القوى العالمية، وإلا فإن المنطقة "تُعِد نفسها للأزمة نفسها مرة أخرى".

بينما يعتقد «معيد يوسف»، المستشار السابق للأمن القومي في باكستان، أن المسألة تتعلق بالردع، لتوضيح للهند أنها لا تستطيع تنفيذ ضربات عبر الحدود الدولية والإفلات من العقاب.

وقال «يوسف»، للصحيفة الأمريكية: "هناك نقاش داخل دوائر صنع القرار في باكستان حول ما إذا كانت مزاعم نجاحها في إسقاط طائرات هندية كافية"، مُضيفًا: "أعتقد أن الخيارات لا تزال مفتوحة.. الكرة لا تزال في ملعب الهند".

وزير الدفاع الباكستاني: «إنهاء العمليات العسكرية مرهون بتراجع الهند»

في غضون ذلك، أعلن وزير الدفاع الباكستاني، «خواجة محمد آصف»، أن إسلام آباد على استعداد لوقف العمليات العسكرية ضد «الهند» في حال تراجعت نيودلهي عن مواقفها، حسبما أفادت قناة «بلومبرج» الأمريكية، الأربعاء.