أطلق الرئيس السوري أحمد الشرع، الذي تولى الحكم بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في ديسمبر، مبادرة دبلوماسية هادئة تهدف إلى كسب دعم واشنطن لإعادة إعمار سوريا بعد سنوات من الحرب المدمرة، وتشمل هذه الخطوات توقيف مسلحين، وفتح قنوات اتصال غير مباشرة مع إسرائيل، وإبداء استعداد لعقد اتفاقيات تسمح للشركات الأمريكية بالعمل في قطاعي النفط والغاز.
الشرع، الذي كان له ماضٍ مع جماعات متطرفة مثل القاعدة وتنظيم الدولة، أعلن تخليه عن هذا الإرث وتعهد بتشكيل حكومة تمثيلية شاملة. وهو يسعى اليوم لإقناع إدارة ترامب المتشككة بجديته في الإصلاح، أملاً في تخفيف العقوبات الغربية لتمهيد الطريق أمام جهود إعادة الإعمار.
وفي هذا السياق، نفذت حكومته اعتقالات بحق عناصر فلسطينيين مسلحين – تماشياً مع مطالب أمريكية – وأرسلت إشارات عبر وسطاء إلى إسرائيل تؤكد الرغبة في تجنب التصعيد العسكري. ويأتي هذا بالتزامن مع تصعيد إسرائيلي تمثل في غارة جوية على منطقة قرب القصر الرئاسي في دمشق.
كما يحاول الزعيم السوري الاجتماع بالرئيس ترامب لعرض رؤية لإعادة الإعمار على غرار خطة مارشال، حيث ستفوز الشركات الأمريكية والغربية بالصفقات على حساب المنافسين من الصين ودول أخرى، وفقاً لمسؤولين سوريين.
وقالت دارين خليفة، كبيرة المستشارين في مجموعة الأزمات الدولية: “السوريون يحاولون وهم يدركون أنه في غياب تحركات أمريكية ملموسة، لن يكون هناك أحد آخر مشجعاً على الاستثمار. الاقتصاد ينهار ببطء".
وزار جوناثان باس، ناشط جمهوري مؤيد لترامب والرئيس التنفيذي لشركة Argent LNG للغاز الطبيعي في لويزيانا، دمشق الأسبوع الماضي لعرض خطة على الشرع لتطوير موارد الطاقة في البلاد مع الشركات الغربية وشركة نفط وطنية سورية جديدة مدرجة في الولايات المتحدة.
ووفقاً لباس ومعاذ مصطفى، رئيس مجموعة العمل السورية للطوارئ، الذي حضر الاجتماع أيضاً، فقد رد الرئيس السوري بشكل إيجابي على الفكرة إذا أمكن تخفيف العقوبات لجعلها ممكنة، وأرسلت الحكومة السورية وزير الطاقة للجلوس بجوار باس في رحلة العودة إلى إسطنبول.
وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية السورية: “تسعى سوريا الحرة الجديدة لبناء علاقة استراتيجية قوية مع الولايات المتحدة، قائمة على المصالح المشتركة والشراكة بما في ذلك الطاقة والروابط الاقتصادية الأخرى. دمشق تأمل أن تصبح حليفاً مهماً ومؤثراً لواشنطن في المرحلة المقبلة من سوريا".
ويحث باس الإدارة الاميركية على تطبيع العلاقات مع البلاد، وقال بعد اجتماع استمر أربع ساعات مع الشرع في القصر الرئاسي بدمشق: “لدينا فرصة لطرد الروس والإيرانيين والصينيين من البلاد إلى الأبد إلى جانب هزيمة مستدامة لتنظيم داعش".
ولا تزال أجزاء واسعة من المدن السورية الكبرى مدمرة وتحتاج المطارات والطرق وشبكة الكهرباء والبنية التحتية للاتصالات إلى إعادة بناء، وقال باس إن الشرع ومسؤولين سوريين آخرين أبدوا رغبتهم في جذب الشركات الأمريكية لإعادة الإعمار.
وقال باس: “هو مستعد لشراء طائرات بوينغ ويريد اتصالات أمريكية ولا يريد هواوي".
وأخرج باس هاتفه خلال مقابلة على الإفطار في إسطنبول، ومرر عبر رسائل نصية من وزير الاتصالات السوري، الذي كان يرسل كل يوم رسالة واحدة تقول: “AT&T".
ويبقى أن نرى ما إذا كانت حماسة باس ستمتد إلى البيت الأبيض، فقد كانت إدارة ترامب مشككة تجاه الشرع، الذي كان كجهادي قد انضم للتمرد ضد القوات الأمريكية في العراق، وانشق عن القاعدة قبل نحو عقد من الزمان وحاول توجيه مجموعته نحو التيار السائد.
ولا يزال الشرع مصنفاً إرهابياً من قبل الولايات المتحدة، رغم رفع مكافأة الـ 10 ملايين دولار من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي في ديسمبر.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جيمس هيويت: “لقد كانت الولايات المتحدة واضحة منذ اليوم الأول بأن أفعال السلطات المؤقتة في سوريا ستحدد مستقبل الدعم الأمريكي أو احتمال تخفيف العقوبات".
وحذر المحللون من أنه بدون الدعم الأمريكي والوصول إلى النظام المالي الأمريكي، فإن سوريا معرضة لخطر التحول إلى دولة فاشلة قد تشكل مجدداً بيئة خصبة للجماعات المتطرفة وتزعزع استقرار المنطقة بشكل أكبر.
ويحتاج الشرع إلى أن يرفع ترامب العقوبات الأمريكية على سوريا، والتي فرضت معظمها في السنوات الأخيرة لعزل الرئيس السابق بشار الأسد، وهو زعيم مدعوم من إيران وروسيا استخدم الأسلحة الكيميائية والتعذيب والإعدامات الجماعية لمحاولة قمع الانتفاضة التي بدأت عام 2011.
وكانت سوريا تصدر نفطاً بقيمة 4.2 مليار دولار في عام 2010، قبل الانتفاضة، ورغم أنها لم تكن من كبار مصدري النفط على المستوى العالمي، إلا أنها تمتلك ميزة كونها المنتج النفطي الوحيد ذي الأهمية في شرق البحر الأبيض المتوسط، وتتمتع بموقع استراتيجي قريب من أوروبا.
وتدهورت حالة منشآت النفط في سوريا بعد سنوات من العقوبات والحرب، وتقع معظم موارد النفط والغاز في شرق سوريا، حيث وافقت ميليشيا كردية مدعومة من الولايات المتحدة على تسليم هذه المنشآت إلى الحكومة الجديدة في صفقة لا تزال قيد التنفيذ.
وسيكون موقف ترامب من سوريا حاسماً ولم يتحدث الرئيس الاميركي كثيراً علنياً عن الوضع في البلاد، بينما وصف مبعوثه إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، الشرع بأنه “شخص مختلف عما كان عليه في السابق".
ويؤيد بعض القادة العسكريين الأمريكيين مساعدة حكومة الشراع في دمشق لتوطيد السيطرة على البلاد لقطع الطريق على تنظيم داعش مع تقليص الوجود الأمريكي هناك.
وقالت وزارة الدفاع الأمريكية في أواخر أبريل إنها تستعد لتقليص وجودها إلى أقل من ألف جندي في سوريا، بعد أن كان هناك نحو ألفي جندي أمريكي في البلاد في ديسمبر الماضي.
ومن المقرر أن يزور ترامب الأسبوع المقبل السعودية وقطر والإمارات، وقد قررت معظم الحكومات العربية إعادة العلاقات مع سوريا تحت قيادة الشرع، رغم أن بعض القادة لا يزالون حذرين منه.
ومن المتوقع أن يحث قادة قطر والسعودية ترامب على إعادة سوريا إلى المجتمع الدولي كجزء من جهد أوسع لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، وفقاً لمصادر مطلعة على التحضيرات للزيارة.
وأرسل الشرع رسالة إلى البيت الأبيض يطلب فيها اجتماعاً مع ترامب خلال زيارته إلى دول الخليج.
وقدمت الإدارة الأمريكية قائمة مطالب إلى حكومة الشرع في الأسابيع الأخيرة، ينبغي تنفيذها قبل النظر في أي تخفيف للعقوبات، وشملت قمع الجماعات الفلسطينية المسلحة.
وردت الحكومة السورية باعتقال اثنين من قادة حركة الجهاد الإسلامي في أبريل واحتجاز رئيس جماعة أخرى، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، في أوائل مايو، كما داهمت السلطات السورية وأغلقت مكاتب بعض الجماعات الفلسطينية.
كما وافقت الحكومة السورية على التعاون في ملف المفقودين الأمريكيين، وفتحت المجال لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية للوصول إلى ما تبقى من الترسانة الكيماوية، في خطوة تهدف لكسب الثقة الدولية.