دراسات وأبحاث

ترامب يعلن توقف العمليات العسكرية ضد الحوثيين.. ماذا يحدث في اليمن؟

الأربعاء 07 مايو 2025 - 12:04 م
مصطفى سيد
الأمصار

في خطوة مفاجئة وغير مسبوقة، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مساء الثلاثاء 6 مايو 2025، عن وقف الضربات الأمريكية ضد الحوثيين، بعد ما وصفه بـ"إعلان الحوثيين نيتهم وقف القتال"، وذلك ضمن تصريحات أدلى بها في لقاء إعلامي من مقر حملته الانتخابية في فلوريدا. 

ورغم إعلان ترامب عن توقف العمليات، إلا أن المعطيات الميدانية تشير إلى تصعيد غير مسبوق في جبهات عدة داخل اليمن، سواء على مستوى الغارات الجوية الإسرائيلية أو على صعيد الهجمات الحوثية على المصالح الأمريكية والإسرائيلية في البحر الأحمر وخليج عدن.

خلفية الصراع: تصعيد غير مسبوق منذ نهاية 2023

منذ نهاية عام 2023، عاد اليمن إلى واجهة الصراعات الإقليمية، بعدما بدأت جماعة الحوثي تنفيذ هجمات صاروخية وطائرات مسيّرة ضد سفن إسرائيلية وأمريكية في البحر الأحمر، معلنةً أن هذه الهجمات تأتي ضمن ما سمّته "دعم القضية الفلسطينية" والرد على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

تسببت تلك الهجمات في اضطراب حركة الملاحة الدولية عبر مضيق باب المندب، وهو أحد أهم الممرات المائية في العالم، ما دفع الولايات المتحدة إلى قيادة تحالف بحري لحماية السفن التجارية، وتنفيذ عشرات الضربات الجوية ضد مواقع تابعة للحوثيين في صنعاء والحديدة وتعز وصعدة ومناطق استراتيجية أخرى.

واشنطن تتحدث عن هدنة.. والحوثيون ينفون

أشار ترامب في تصريحاته إلى أن جماعة الحوثي "أبلغت الولايات المتحدة أنها لن تستهدف السفن بعد الآن، وأنهم يريدون وقف القتال". وأضاف: "لن نقصفهم طالما هم لا يقاتلون"، مؤكدًا أن الحوثيين "قد استسلموا فعليًا".

لكن سرعان ما نفت جماعة الحوثي هذه المزاعم عبر بيان رسمي، وأكدت أنها لم تطلب وقف الضربات، بل ستواصل عملياتها ضد "العدو الإسرائيلي وأدواته"، في إشارة إلى السفن المرتبطة بإسرائيل أو الداعمة لها في البحر الأحمر. ووصفت الجماعة تصريحات ترامب بأنها "محاولة دعائية لصرف الأنظار عن فشل واشنطن في ردع عملياتها البحرية".

غارات إسرائيلية مدمرة على الأراضي اليمنية

في الأيام الأخيرة، شنت الطائرات الحربية الإسرائيلية سلسلة من الغارات المركزة والعنيفة على مواقع حوثية في العاصمة صنعاء، ومحافظات الحديدة وصعدة وعمران وحجة. ووفقًا لمصادر يمنية مطلعة، استهدفت الضربات مواقع عسكرية، ومخازن أسلحة، ومرافق حيوية كـ:

مطار صنعاء الدولي وقاعدة الديلمي الجوية.

محطة كهرباء الحديدة وخزانات الوقود التابعة لمصنع إسمنت باجل.

مقرات قيادة ميدانية في جبل نقم ومناطق متفرقة من صعدة.

ميناء الحديدة الذي تعرض لضربة دقيقة تسببت في تعطيله بالكامل.

التحركات العسكرية الإسرائيلية جاءت في إطار التنسيق مع واشنطن، بحسب مصادر استخباراتية، بهدف تقويض قدرات الحوثيين البحرية ومنعهم من تهديد السفن الإسرائيلية.

الحوثيون يردّون بطائرات مسيّرة وصواريخ باليستية

في المقابل، لم تقف جماعة الحوثي مكتوفة الأيدي، بل نفذت خلال الساعات الأخيرة أكثر من 4 هجمات بطائرات مسيّرة وصواريخ باليستية استهدفت سفنًا تجارية يُعتقد أنها مرتبطة بإسرائيل، في البحر الأحمر وخليج عدن. 

وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) أنها تمكنت من اعتراض عدد من هذه الطائرات، لكنها أقرت بأن واحدة على الأقل تسببت بأضرار محدودة في ناقلة نفط كانت ترفع علم بنما.

وفي تطور خطير، أعلن الحوثيون عن امتلاكهم صواريخ بحر-بحر بعيدة المدى قادرة على ضرب أهداف في عمق البحر الأحمر وخارج مضيق باب المندب، ما يهدد أمن الملاحة الإقليمية والدولية بشكل مباشر.

المشهد الداخلي اليمني: صراع متعدد الأبعاد

في الداخل اليمني، تسود حالة من الغضب والاحتقان بين السكان بسبب الغارات المتكررة، والتي طالت البنية التحتية والمدنيين. 

وفي الوقت ذاته، تتهم الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا الحوثيين بالمسؤولية عن جر البلاد إلى هذا الصراع الدولي، وتحويلها إلى "ساحة مواجهة بالوكالة" بين قوى كبرى.

وعلى مستوى الجبهات الداخلية، اندلعت اشتباكات في محيط مدينة تعز وفي جبهات مأرب، بين قوات الحكومة الشرعية المدعومة من التحالف العربي، ومليشيات الحوثي، ما يؤكد أن الهدنة التي أُعلن عنها من قبل ترامب لا تمتد إلى الأرض فعليًا.

الدور الإيراني والدعم الخارجي

تُشير تقارير استخباراتية دولية إلى أن إيران كثفت دعمها العسكري للحوثيين خلال الأشهر الأخيرة، عبر تزويدهم بتكنولوجيا متقدمة للطائرات المسيّرة، ونقل خبراء من "الحرس الثوري" لمساعدة الحوثيين على تطوير منظومات الصواريخ والطائرات الانتحارية.

 ويُعتقد أن "محور المقاومة" الذي يضم حزب الله، وفصائل عراقية، والحرس الثوري الإيراني، يدير تنسيقًا عسكريًا مع الحوثيين في إطار الصراع الإقليمي ضد إسرائيل.

كما أن طهران تعتبر الهجمات الحوثية جزءًا من استراتيجيتها لتوسيع الضغط الإقليمي على إسرائيل والولايات المتحدة دون الدخول في مواجهة مباشرة.

كارثة إنسانية متفاقمة في اليمن

في ظل هذه التحولات، تتفاقم المعاناة الإنسانية داخل اليمن. فالغارات الإسرائيلية دمرت محطات توليد الكهرباء في الحديدة وصنعاء، وتوقفت المستشفيات عن العمل في بعض المناطق بسبب انقطاع الوقود.

 كما ارتفعت أسعار السلع الأساسية بسبب توقف الموانئ الرئيسية عن العمل، وبدأت منظمات الإغاثة الدولية بإطلاق تحذيرات من مجاعة قريبة تهدد أكثر من 17 مليون يمني.

منظمات مثل الصليب الأحمر والأمم المتحدة طالبت بوقف التصعيد فورًا وتوفير ممرات آمنة لدخول المساعدات الإنسانية، وسط تحذيرات من أن الأسابيع المقبلة قد تكون الأصعب في تاريخ الأزمة اليمنية.

هل نحن أمام حرب إقليمية مفتوحة؟

بين التصريحات الأمريكية الغامضة، والتصعيد العسكري الإسرائيلي، واستمرار الحوثيين في استهداف المصالح الغربية، يبدو أن اليمن قد يتحول من ساحة نزاع محلية إلى ساحة حرب إقليمية كبرى، خاصة مع تصاعد التوتر في البحر الأحمر وتورط أطراف إقليمية ودولية.

ويطرح محللون تساؤلات خطيرة: هل نشهد مقدمات لحرب طويلة الأمد في جنوب الجزيرة العربية؟ وهل تنجح الوساطات المحتملة من دول مثل عمان وقطر في تهدئة الموقف؟ أم أن المنطقة مقبلة على تصعيد غير مسبوق؟