في توقيت لا يخلو من الدلالات الجيوسياسية، أطلق الرئيس الأمريكي، «دونالد ترامب»، صفقة استراتيجية تفتح لواشنطن أبواب الثروات المعدنية النادرة في «أوكرانيا»، الدولة الواقعة على خط التماس بين الطموحات الغربية والنفوذ الروسي. الاتفاق الذي يمنح الولايات المتحدة حق الوصول إلى موارد حيوية تدخل في الصناعات الدفاعية والتكنولوجية، لا يُقرأ فقط باعتباره تحركًا اقتصاديًا، بل كبوابة جديدة لتثبيت موطئ قدم أمريكي عميق في قلب أوروبا الشرقية.
وفي هذا الصدد، وقّعت «الولايات المتحدة وأوكرانيا»، مساء أمس الأربعاء، اتفاقية شراكة اقتصادية تُتيح لواشنطن الوصول إلى المعادن الحيوية والموارد الطبيعية في الأراضي الأوكرانية، وذلك بعد أسابيع من مفاوضات وُصفت بـ"المتوترة".
وتأتي هذه الخطوة في وقت يسعى فيه الرئيس الأمريكي، «دونالد ترامب»، إلى تحقيق تقدم في جهود السلام المتعثرة بين أوكرانيا وروسيا، وسط تساؤلات أثيرت حول الجدوى الاقتصادية للاتفاق بالنسبة لواشنطن، وفقًا لمجلة «فوربس» الأمريكية.
وبموجب الاتفاق، سيتم إنشاء صندوق استثماري مشترك بين الولايات المتحدة وأوكرانيا تحت اسم "صندوق إعادة الإعمار"، وتخصيص "50% من إيرادات التراخيص الجديدة في مجال المواد الحيوية والنفط والغاز" في أوكرانيا له، بحسب ما نقلته مجلة «فوربس» عن وزيرة الاقتصاد الأوكرانية، «يوليا سفيريدينكو».
وأفادت صحيفة «فايننشيال تايمز» البريطانية، بأن إنشاء الصندوق جاء استجابة لمطلب طرحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كآلية لتعويض الولايات المتحدة عن مساعداتها السابقة لأوكرانيا.
وأشارت «فوربس»، إلى أن مسودة الاتفاق تفصّل حصول الولايات المتحدة على "وصول تفضيلي إلى صفقات الموارد الطبيعية الأوكرانية الجديدة".
وأكدت «سفيريدينكو»، في منشور أعلنت فيه توقيع الاتفاقية، أن الولايات المتحدة ستُساهم أيضًا في الصندوق من خلال "مساهمات مالية مباشرة"، ومن خلال المساعدات العسكرية لأوكرانيا، مُشددة على أن "الدولة الأوكرانية هي التي تُحدد ما سيتم استخراجه وأين".
ولفتت «فوربس» إلى أن وزارة حماية البيئة والموارد الطبيعية الأوكرانية أعلنت امتلاكها أكبر احتياطيات من الجرافيت والليثيوم في أوروبا، مع احتياطي جرافيت يُشكّل (6%) من إجمالي الاحتياطي العالمي.
كما تمتلك أوكرانيا أكبر احتياطيات من التيتانيوم واليورانيوم في أوروبا، وتدعي أن احتياطياتها من البيريليوم قادرة على تلبية (40) عامًا من الإنتاج العالمي، وهو ما يجعلها هدفًا استراتيجيًا للولايات المتحدة التي تسعى لتقليل اعتمادها على الصين وروسيا في استيراد هذه المواد الحيوية، وفقًا لصحيفة «ذا جارديان» البريطانية.
رغم الضجة المثارة حول الاتفاقية، أبدى خبراء مخاوف بشأن التكاليف وأوقات الإنتاج المرتبطة باستخراج المواد الخام، مُشيرين إلى أن عمليات التعدين قد لا تُسفر عن عائد ضخم للولايات المتحدة.
وصرح «جورج إنجال»، محلل تسعير المعادن النادرة في مؤسسة "بنشمارك مينيرالز إنتليجنس"، لمجلة «فوربس»، بأن المعادن التي ترغب الولايات المتحدة في الحصول عليها "لن تُستخدم لتحقيق ربح في السنوات الـ10 أو 15 القادمة"، مُضيفًا أن الأمر يتطلب ما يصل إلى ملياري دولار لتشغيل منجم للمعادن النادرة.
وذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، أن وزير الخزانة الأمريكي «سكوت بيسنت»، وصف الاتفاق بأنه "خطوة نحو إنهاء الحرب في أوكرانيا عبر التفاوض وبداية لإعادة إعمار البلاد".
وقال «بيسنت»، في فيديو يُعلن الاتفاقية: "تُشير هذه الاتفاقية بوضوح إلى روسيا أن إدارة ترامب ملتزمة بعملية سلام تتمحور حول أوكرانيا حرة وذات سيادة ومزدهرة على المدى الطويل".
وأوضحت «وول ستريت جورنال»، إلى أن اتفاقية المعادن كان من المفترض توقيعها في فبراير الماضي عندما سافر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى الولايات المتحدة، لكنه غادر البيت الأبيض دون توقيعها بعد اجتماع مع ترامب في المكتب البيضاوي انتهى بمشادة كلامية.
وأصدر «زيلينسكي» بيانًا بعد أيام من الزيارة قال فيه إنه يُريد إنهاء الحرب مع روسيا، وإن أوكرانيا مُستعدة لتوقيع اتفاقية المعادن وترى فيها "خطوة نحو أمن أكبر وضمانات أمنية قوية".
وأضافت «بوليتيكو»، أن اللقاء الثنائي بين ترامب وزيلينسكي في الفاتيكان، على هامش جنازة البابا فرنسيس مُؤخرًا، شكل نقطة تحول في العلاقات المتوترة بينهما.
ونوهت المجلة إلى تصريح «ترامب» على وسائل التواصل الاجتماعي بأنه كان لديه "يوم جيد في المحادثات والاجتماعات مع روسيا وأوكرانيا"، وأضاف: "إنهم قريبون جدًا من التوصل إلى اتفاق".
كما قال «زيلينسكي» على منصة "إكس" إنهما عقدا "اجتماعًا جيدًا" وشكر "ترامب" على التحدث وقال إنهما "ناقشا الكثير".
فيما أكدت «فوربس»، أن أصل الاتفاقية يعود إلى إشارة الرئيس الأمريكي إلى أن أوكرانيا يُمكن أن تمنح الولايات المتحدة حق الوصول إلى معادنها مقابل دعم أمريكي لأوكرانيا في حربها المستمرة مع روسيا، ووصف الاتفاق المحتمل بأنه تعويض للولايات المتحدة عن مساعداتها.
وذكرت المجلة، أن أوكرانيا كانت حريصة على ضمان ألا تأخذ الصفقة في الاعتبار المساعدات العسكرية الأمريكية السابقة.
وأوضحت أن الولايات المتحدة قدمت ما يقدر بنحو (66.5) مليار دولار كمساعدات عسكرية حتى مارس الماضي، وأن ترامب كان مُنتقدًا للمساعدات التي قدمها الرئيس السابق جو بايدن لأوكرانيا، مُصِرًا على أن الحرب لم تكن لتبدأ لو كان رئيسًا في ذلك الوقت.
ورحبت أوكرانيا بالصفقة واصفة إياها بأنها "مرحلة جديدة في التعاون مع الولايات المتحدة".
وقالت وزارة الخزانة الأمريكية، في بيان، إن الصندوق يأتي "اعترافًا بالدعم المالي والمادي الكبير الذي قدمه الشعب الأمريكي للدفاع عن أوكرانيا منذ الغزو الروسي الشامل، وسيُساعد في تسريع التعافي الاقتصادي لأوكرانيا".
وأفادت «فوربس»، بأنه على الرغم من أن اتفاقية المعادن قد تستغرق وقتًا لتُفيد الولايات المتحدة ماليًا، فإن الحصول على الموارد الطبيعية من أوكرانيا يُمكن أن يُساعد في تقليل اعتمادها على الصين وروسيا لاستيراد هذه المواد الحيوية.
من جهة أخرى، وفي وقت سابق، أعرب الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، عن رغبة الولايات المتحدة في إبرام صفقة مع «روسيا» لشراء المعادن النادرة، «إذا كان ذلك مُمكنًا»، حسبما أفادت وسائل إعلام أمريكية، الأربعاء.