رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

قمة بايدن وشي.. أزمات ومحاولات لوقف النزاع وإدارة التنافس

نشر
الأمصار

وجهت الولايات المتحدة السبت تحذيرًا إلى الصين بشأن تايوان، قبل ساعات من قمة افتراضيّة مقررة غدًا الاثنين بين الرئيسين الأمريكي جو بايدن والصيني شي جين بينغ. 

وأعرب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في اتصال مع نظيره الصيني وانغ يي عن “قلقه إزاء الضغط العسكري والدبلوماسي والاقتصادي المتواصل لجمهوريّة الصين الشعبيّة ضدّ تايوان”.

ودعا بلينكن بكين إلى “الانخراط في حوار هادف” لحل خلافاتها مع تايبيه “سلميًا ووفقًا لرغبات الشعب في تايوان ومصالحه”، حسب الخارجية الأمريكية.

ويعقد بايدن وشي جين بينغ اجتماعًا عبر الفيديو الاثنين، هو الثالث بين رئيسي الدولتين، بينما تتراكم الخلافات بين واشنطن وبكين اللتين تبدي كل منهما حزمًا في مواقفها بشأن ملفات عدة بينها تايوان، وتهدف المحادثة بين بلينكن وشي إلى التحضير للقمة بين الرئيسين.

توتر بين الصين وأمريكا حول مصير تايوان

مصير تايوان

تصاعد التوتر خلال الأسابيع الأخيرة بين الولايات المتحدة والصين بشأن مصير تايوان،  وذلك عقب تصريحات الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بأن الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان إذ تعرضت إلى هجوم من الصين.

وكانت قد كثّفت بكين أنشطتها العسكرية بالقرب من تايوان، الجزيرة التي تتمتّع بحكم ذاتي لكنّ الصين تعتبرها جزءا لا يتجزّأ من أراضيها، وفي بداية أكتوبر/تشرين الأول دخل عدد قياسي من الطائرات منطقة تحديد الدفاع الجوي للجزيرة.

 

وأعلن الرئيس الصيني شي جينبينغ إن “إعادة التوحيد” مع تايوان “يجب أن تتحقق”، وذلك في ظل استمرار تصاعد التوترات بشأن الجزيرة، مؤكدًا على ضرورة تحقيق الوحدة سلميًا، وحذر من أن الشعب الصيني لديه “تقليد مجيد” في معارضة النزعة الانفصالية.

 

ومن جانبها قالت تايوان، إن من يقرر مستقبلها هو شعبها فقط، وإنها أكثر من مجرد مقاطعة، معتبرة أنها دولة ذات سيادة.

ولدى تايوان دستورها الخاص، وقادتها المنتخبين ديمقراطيا، وحوالي 300 ألف جندي عامل في قواتها المسلحة.

 

ويكمن جوهر الصراع بين الصين وتايوان في حقيقة أن بكين ترى تايوان مقاطعة منشقة سيعاد ضمها إلى البر الصيني في نهاية المطاف، فيما يختلف الكثير من التايوانيين مع وجهة نظر بكين، إذ أنهم يرون أن لديهم أمة منفصلة، سواء تم إعلان استقلالها رسميا أم لا، ولم تستبعد بكين احتمال استخدام القوة لتحقيق الوحدة.

وعلى الرغم من التوترات المتصاعدة مؤخرًا، لم تتدهور العلاقات بين الصين وتايوان إلى المستويات التي بلغتها في عام 1996، عندما حاولت الصين تعطيل الانتخابات الرئاسية في تايوان، من خلال تجارب صواريخ، وأرسلت الولايات المتحدة حاملات طائرات إلى المنطقة لثنيها عن ذلك.

العلاقات التجارية بين الصين وأمريكا
تدهور العلاقات التجارية بين الصين وأمريكا

قمة بايدن وشي.. العلاقات الاقتصادية والتجارية

بدأت الولايات المتحدة في تبني نهج المشاركة والانخراط مع الصين منذ عام 1972، ومنذ ذلك الوقت شهدت العلاقات الصينية-الأمريكية مراحل من التقارب والتعاون، وفي أوقات أخرى فترات من التباعد والاختلاف.

وتعتبر العلاقات الصينية – الأمريكية من أهم وأكثر العلاقات الدولية تعقدًا وتشابكًا في القرن الحادي والعشرين، لأسباب كثيرة منها العلاقات الاقتصادية، تتصدر الولايات المتحدة الأمريكية أكبر اقتصاد في العالم والصين هي ثاني أكبر اقتصاد، كما أن بكين أصبحت أكبر شريك تجاري لواشنطن منذ عام 2015، وبلغ حجم التبادل التجاري بينهما 519.6 مليار دولار أمريكي. 

بدأت تدهور العلاقات التجارية  منذ عام 2018 فيما عرفت ب “الحرب التجارية”، وذلك بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 22 آذار/مارس عن وجود نية لفرض رسوم جمركية تبلغ 50 مليار دولار أمريكي على السلع الصينية بموجب المادة 301 من قانون التجارة لعام 1974 التي تسرد تاريخ «الممارسات التجارية غير العادلة» وسرقات الملكية الفكرية. 

وكرد انتقامي من الحكومة الصينية فقد فُرضت رسوم جمركية على أكثر من 128 منتج أمريكي أشهرها فول الصويا.

وأصبحت الرسوم الأمريكية على ما قيمته 34 مليار دولار من البضائع الصينية فعالة في السادس من يوليو، وقامت الصين بفعل المثل على نفس القيمة. هذه الرسوم تمثل ما قيمته 0.1% من إجمالي الناتج المحلي.

وفي 22 فبراير 2021، دعا وزير الخارجية الصيني وانغ يي الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن إلى رفع القيود المتعددة التي فرضها دونالد ترامب.

 حث وانغ يي إدارة بايدن على رفع العقوبات المفروضة على التجارة والاتصال بين الناس، بينما طالبها بوقف التدخل في الشؤون الداخلية للصين.

ترامب يحمل الصين المسؤولية عن الوباء
ترامب يحمل الصين المسؤولية عن الوباء

فيروس كورونا

مع اشتداد وتيرة الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والجدل المحموم حول الانفصال عن سلاسل التوريد الصينية، ظهرت أزمة فيروس كورونا المستجد التي حسمت هذا الجدل إلى ضرورة خلق سلاسل تصنيع وتوريد خارج الصين.

 

ومع ارتفاع حالات الإصابة بكوفيد-19 داخل الولايات المتحدة، اتجهت إدارة ترامب إلى تحميل الصين المسؤولية عن الوباء، واتهام منظمة الصحة العالمية بأنها “دُمية” في يد بكين.

أدى تصوير الصين على أنها المُتسبِّب في الوباء واضطرابات سلاسل التوريد العالمية، إلى مطالبة بعض السياسيين الأمريكيين بفك الارتباط مع الصين، وأدت نظريات المؤامرة حول أصول تفشي المرض، والتي شجّعتها جهود التضليل والمعلومات المُضلِّلة من كلا الجانبين، إلى تفاقم انعدام الثقة بين البلدين.

في الوقت نفسه، أدى الوباء إلى زيادة كبيرة في نسبة الأمريكيين ذوي النظرة السلبية للصين؛ حيث وجد استطلاع أجراه “مركز بيو للأبحاث” في أكتوبر 2020 أن 73% من الأمريكيين ينظرون إلى الصين بشكل سلبي، وهو أعلى مستوى منذ عام 2005.

وفي الصين، أدت قدرة الحكومة على احتواء انتشار الفيروس بسرعة، بالتزامن مع الخلاف الدبلوماسي مع الولايات المتحدة، إلى ترسيخ الميول القومية ومعاداة الولايات المتحدة، حيث إن العبارة التي اعتاد “ترامب” على ترديدها (فيروس الصين) أثارت رد فعل قومياً عنيفاً، مما أدى إلى طرد الصحفيين الأمريكيين من الصين. وصوّرت وسائل الإعلام الحكومية الصينية الولايات المتحدة على أنها قوة معادية.

 

قمة بايدن وشي

الصين وإدارة ترامب 

اتبعت إدارة “دونالد ترامب” تجاه الصين سياسات حادة وعميقة، بحيث تظل مؤثرة على مسار العلاقات بين البلدين حتى بعد مغادرته للبيت الأبيض. وقد اتضح ذلك في الأسابيع التي أعقبت الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حيث اضطلع مسؤولو الإدارة بسلسلة من الأنشطة المتعلقة بالتبت وتايوان وبحر الصين الجنوبي والحرب التجارية، مما عزّز سجل التوتر والاضطراب الذي تراكم على مدار السنوات الأربع الماضية.

فيما يرى خبراء أن إدارة “بايدن” من الممكن أن تحقق بعض المكاسب السريعة من خلال سد الثغرات الهائلة التي أحدثها فريق “ترامب” و التخلي عن المصادر التقليدية لنفوذ الولايات المتحدة وتأثيرها،  فمن المحتمل أن تنضم واشنطن مرة أخرى إلى المؤسسات والاتفاقيات الدولية التي تخلى عنها “ترامب”، بجانب تعزيز جوانب الشراكة المختلفة مع الحلفاء الأوروبيين، وإعادة بناء الأطر الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والصين.

وكان قد أجرى الرئيس الأمريكي أول اتصال هاتفي منذ سبعة أشهر مع نظيره الصيني شي جينبينغ أملا في إنهاء حالة الجمود الدبلوماسي بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، وفي محاولة لضمان عدم تحول “المنافسة” بين البلدين إلى “نزاع”.

ووصفت بكين المحادثات الهاتفية “الصريحة والمعمقة”، بينما وصف مسؤول من البيت الأبيض العلاقات بين القطبين الاقتصاديين “بالمنافسة الشرسة” وأبدى عدم رغبته في تحولها إلى “نزاع”.

قمة بايدن وشي
قمة بين الرئيس الأمريكي والرئيس الصيني

قمة بايدن وشي

وأعلن  البيت الأبيض بأن الرئيس الأمريكي ونظيره الصيني سيعقدان، غدًا الإثنين، اجتماعًا افتراضيًا، وقال البيت الأبيض إنهم سيناقشان سبل إدارة التنافس (بين البلدين) في شكل مسؤول”، موضحا أن بايدن سيكون خلال الاجتماع “واضحا وصريحا في شأن ما يقلق” الولايات المتحدة إزاء الصين.

والتي تعد الأولى من نوعها بين الرئيسين منذ تولي بايدن الرئاسة في يناير المنصرم، ستعقد الاثنين المقبل، الموافق 15 تشرين الثاني / يناير الجاري.

وسبق أن تحدث الرئيسان هاتفيا مرتين منذ تنصيب جو بايدن، ولم يخف الرئيس الأمريكي قط رغبته في لقاء الرئيس الصيني شخصيا، وقد وجه له انتقادات لغيابه عن قمتي مجموعة العشرين و”كوب-26″.

لكنه سيكتفي بلقاء افتراضي مع شي جين بينغ الذي لم يغادر الصين منذ نحو عامين، عازيًا الأمر إلى تفشي فيروس كورونا.