رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

سعدي يوسف..استقالة الشيوعي الأخير من الحياة

نشر
الأمصار

سأستقيلُ اليومَ

لا حزبٌ شــيوعيٌّ، ولا هُم يحزَنون !

أنا ابنُ أرصفةٍ وأتربةٍ

ومدرستي الشوارعُ والهتافُ

ولَـسْــعةُ البارودِ إذ يغدو شــميماً

لم أعُدْ أرضى المبيتَ بمنزلِ الأشباحِ

 

أعلن الشيوعي الأخير، استقالته بهذه الأبيات، وودعته الساحة الشعرية، اليوم الأحد 13 يونيو/حزيران، أحد كبار الشعراء في العالم العربي، خلال الخمس عقود الماضية، وأحد أبرز الأصوات الشعرية في عالم الشعر، سعدي يوسف، الشاعر والكاتب والمُترجم، العراقي الذي وافته المنية في لندن، عن عمر يناهز الـ 85 عاما، بعد صراع طويل مع المرض.

ولد سعدي يوسف، عام 1934، في أبي الخصيب، بالبصرة، حصل على ليسانس شرف في آداب العربية، من دار المعلمين العالية ببغداد 1954، عمل في التدريس والصحافة الثقافية، تعرض يوسف، للسجن بسبب مواقفه السياسية، وفي أعقاب الانقلاب الذي قاده حزب البعث في 8 فبراير/ شباط 1963، أعتقل يوسف، لكن أطلق سراحه قبل ليلة واحدة من انقلاب الناصريين عليهم أواخر العام نفسه، ثم ذهب إلى طهران، ودمشق، ثم إلى الجزائر، حيث أقام لسنوات قبل أن يعود إلى وطنه بعد انقلاب البعث الثاني في يوليو/ تموز 1968.

لم تطل إقامته هذه المرة، نظراً لحملة القمع التي تعرض لها الشيوعيين، وضد كل من يشتبه في معارضتهم للنظام وإن كانوا بعثيين، وفي رحلته الثانية، تنقّل سعدي بين مدن كثيرة مثل (بلجراد، نيقوسيا، باريس، بيروت، دمشق، وعدن) ليستقر أخيراً في لندن، ويحصل على الجنسية البريطانية.

لم تعكس نصوص سعدي يوسف، الشعرية المليئة بالرمزية والسلاسة، والتي تتناول الأحداث اليومية التي نمر بها وخاصة الرتيبة والهادئة، مواقفه السياسية الحادة، التي دخل بسببها في معارك عنيفة وسجالات فكرية، دفع الشاعر ثمناً باهظاً لها، حيث عُرف عن يوسف، أنه يساري التيار، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، صار يساريا على طريقته الخاصة، واصفاً نفسه بـ “الشيوعي الأخير”، وهو عنوان آخر دواوينه، ويشهد له اختلافه مع حزبه في الموقف من غزو العراق، والتحولات السياسية التي أعقبته.

نال جوائز في الشعر: جائزة “سلطان بن علي العويس”، والتي سحبت منه لاحقا، والجائزة “الإيطالية العالمية”، وجائزة “كافافي” من الجمعية الهلينية، وفي 2005 نال جائزة “فيرونيا” الإيطالية لأفضل مؤلفٍ أجنبيّ، وحصل على جائزة “المتروبولس” في مونتريال في كندا عام 2008.

وضع سعدي يوسف البصمة الشعرية الخاصة به خارج العراق، وتأثر بها عدد من الشعراء العرب، حيث تميز بغزارة الإنتاج الشعري، حيث بلغ عدد دواوينه الشعرية المنشورة حتى الآن 43 ديواناً، خلال سبعة عقود من الزمن، كان أولهم “القرصان” عام 1952، و “الأخضر بن يوسف ومشاغله” و “الشيوعيّ الأخير يدخل الجنّة، وآخرهم “في البراري حيث البرق” عام 2010.

وفي مجال الترجمة نشر عشرة كتب ضمت تراجم لأشعار كبار الشعراء العالميين، أمثال “والت ويتمان”، “لوركا”، “كافافي”، “يانيس”، و”ريتسوس” وترجم نحو 12 رواية لكبار الروائيين الأجانب مثل النيجيري “وولي شوينكا”، “جورج أورويل”، والياباني “كينزابورو أوي”.

وفي مجال الرواية كتب سعدي يوسف، رواية بعنوان “مثلث الدائرة”، ومسرحية “عندنا في الأعالي” ومجموعة قصصية قصيرة بعنوان “نافذة في المنزل المغربي” إضافة الى عدد من اليوميات والنصوص السياسية والأدبية مثل “يوميات الأذى” و “يوميات ما بعد الأذى“.

رحل سعدي يوسف، تاركاً خلفه إرث أدبي كبير، يدل على رحلة إنسانية محملة بالمشاعر والثورة والهتاف.