رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

هل ستصبح أفغانستان أكبر مُنتج للأفيون في العالم؟

نشر
الأمصار

صرح المتحدث باسم طالبان، ذبيح الله مجاهد، في أول مؤتمر صحفي للحركة بعد تولى الحكم يوم الثلاثاء الموافق 17 أغسطس الماضي أن السلطات الجديدة لن تحول أفغانستان لدولة مخدرات قائلا” من الآن فصاعدا لن يشارك أحد ولن يتمكن فى المشاركة فى تهريب المخدرات.

 

على عكس الواقع الفعلي الذى يقر بأن زراعة المخدرات لا تزال أحد المصادر الرئيسية لدخل طالبان إذ تنتج أفغانستان أكثر من 80% من الأفيون في العالم .فهل ستتخلى أفغانستان عن زراعة الخشخاش الذى يستخرج منه الأفيون والهيروين؟

 

طالبان.. والأفيون

هنــاك علاقــة وثيقــة طويلــة الأمــد بــين حركــة طالبــان واقتصــاد أفغانســتان المــرتبط بالمخدرات غير المشروعة. وكان المراقبـون قـد لاحظـوا بالفعـل أثنـاء ظهـور حركـة طالبـان في بداية التسعينات مـن القـرن الماضـي ارتفاعـا حـادا ومفاجئـا في الأصـول المتاحـة تحـت تصـرف.

 

الحركة وأثيرت التكهنـات بشـأن مصـدرها. وافتـرض الكـثيرون أن الزيـادة في الأصـول ترجع إلى حـدوث ارتفـاع حـاد في تبرعـات المـانحين مـن القطـاع الخـاص فى الخليج. وافترض آخرون أن هـذه الأصـول تم توليـدها مـن خـلال ‘‘مافيـا للنقـل بالشــاحنات’’ في أفغانســتان. وأخــيرا، فــإن منتقــدي طالبــان يتــهمون جهــات معنيــة إقليمية وعالمية بتمويل طالبان بصورة مباشرة. ومنذ ذلك الحين نشر عـدد مـن قـادة طالبـان السابقين والحاليين مذكرات تضمنت توضيحا للحالة. والسير الذاتية التي تم نشرها تـدل بوضـوح علـى أنه منذ البداية الفعلية لحركة طالبان فإن مـا تلقتـه مـن تمويـل حاسـم جـاء عـن طريـق اتحـادات رسمية .

 

طالبان وتجار الأفيون

تُعد قبيلة نورزاي أحد أشهر القبائل تجارة فى الأفيون ويمنح حاجي بشـار نـورزاي تمـويلا حاسمـا للحركـة.

لم تكن علاقة تجار المخدرات بطالبان علاقة ثابتة. فقـد أبلـغ الفريـق، أثنـاء المناقشـات التي أجراها مع المسؤولين الأفغان في عام ٢٠١٤ ،بـأن الحظـر المفـروض علـي زراعـــة الخشـــخاش الذي يُستخرج منه الأفيـــون الـــذي أعلنتـــه طالبـــان في يوليو عام ٢٠٠٠ يستند إلى مجموعـة مـن العوامـل المتمثلـة في الضـغط الـدولي علـى نظـام على طالبان وفي اعتبارات أيديولوجية، لكنه استند أيضا إلى حالة تطلبتـها السـوق لخفـض العـرض. ويؤيد هذا التفسير حقيقـة أنـه حـتى نهاية نظـام طالبـان في أفغانسـتان، ظلـت تجـارة خشـخاش (الأفيـون وإنتـاج وتجـارة الهيرويـن قانونيـة في ‘‘الإمـارة الإسـلامية’’.

 

وقد زعم كثيرون من المحاورين الأفغـان بـأن مخزونـات كـبيرة مـن إنتـاج محاصـيل ١٩٩٩ و ٢٠٠٠ تم تخزينـها مـن جانب قياديين في طالبان، وبيعها بأرباح كبيرة خلال عام ٢٠٠١ وبعد سقوط نظام طالبان، بدا أن تجار المخدرات باعدوا بينهم وبينـه وحـاولوا العمـل مع الممسكين الجدد بزمام السلطة. وحاول حاجي بشار نورزاي التعاون مع القـوات الدوليـة، وقد ألقي القبض عليه فيما بعد في الولايات المتحـدة بتهمة الاتجار فى المخدرات وحكـم عليـه بالسـجن مـدى الحيـاة في عـام ٢٠٠٩

 

الأمم المتحدة

ووفقا لبيان الامم المتحدة ارتفعت المساحة المزروعة من خشخاش الأفيون في بنجواي وزيهـاري مـن ١٥٠ هكتـارا في ٢٠٠٢ إلى ٤٢٣ ٨ هكتــــارا في ٢٠١٤ .وارتفعــــت هــــذه المســــاحة في مايوانــــد من ١ هكتارا في ٢٠٠٢ إلى ٢٢٨ ١٦ هكتارا في ٢٠١٤ ،مما يجعلـها ثالـث أكبر مساحة لزراعة الخشخاش في أفغانستان .

 

وتفرض طالبـان ضريبة العشر على الأراضى المزروعة بالمخـدرات. وفي جنـوب شـرق أفغانسـتان، فرضـت طالبـان ضـــرائب علـــى محصــول القنـــب في مقاطعـــة بكتيـــا في عـــامي ٢٠١٢ و ٢٠١٣ ،وقامـــت، بنشر أفرقة متنقلـة علـى دراجـات ناريـة لجمـع الأمـوال نقـدا مـن المـزارعين حسـب مسـاحات.

 

 

الولايات المتحدة

أنفقت الولايات المتحدة أكثر من 8 مليارات دولار على مدار 15 عاما على الجهود المبذولة لحرمان طالبان من أرباحها من تجارة الأفيون والهيروين في أفغانستان.

وقال مسؤولون وخبراء حاليون وسابقون من الولايات المتحدة والأمم المتحدة، في الوقت الذي تُنهي فيه الولايات المتحدة أطول حرب لها، تظل أفغانستان أكبر مورد غير مشروع للمواد الأفيونية في العالم، ويبدو أنها ستبقى كذلك لأن طالبان على وشك الاستيلاء على السلطة في كابول.

 

وأدى الدمار واسع النطاق خلال الحرب، واقتلاع الملايين من ديارهم، وخفض المساعدات الخارجية، وخسائر الإنفاق المحلي من قبل القوات الأجنبية التي تقودها الولايات المتحدة إلى تأجيج أزمة اقتصادية وإنسانية من المرجح أن تترك العديد من الأفغان المعوزين يعتمدون على تجارة المخدرات من أجل البقاء على قيد الحياة.

 

ويهدد هذا الاعتماد بإحداث المزيد من عدم الاستقرار حيث تتنافس حركة طالبان والجماعات المسلحة الأخرى وأمراء الحرب الإثنيون والمسؤولون العامون الفاسدون على أرباح المخدرات والسلطة.

 

ويشعر بعض مسؤولي الأمم المتحدة والولايات المتحدة بالقلق من أن انزلاق أفغانستان إلى الفوضى يخلق ظروفا لزيادة إنتاج الأفيون غير المشروع، وهو “نعمة” محتملة لطالبان.

 

وقال سيزار غودس رئيس مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة في كابول لوكالة “رويترز”: “طالبان تعتمد على تجارة الأفيون الأفغانية كأحد مصادر دخلها الرئيسية. المزيد من الإنتاج يجلب المخدرات بسعر أرخص وأكثر جاذبية، وبالتالي سهولة الوصول إليها على نطاق أوسع”.

 

لذلك، يقول الخبراء إنه من غير المرجح أن تحظر طالبان زراعة الخشخاش في حالة وصولهم إلى السلطة.

 

وقال ديفيد مانسفيلد، الباحث البارز في تجارة المخدرات غير المشروعة في أفغانستان: “الحكومة المستقبلية سوف تحتاج إلى أن تخطو بحذر لتجنب تنفير جمهورها الريفي وإثارة المقاومة والتمرد العنيف”.

 

وشهدت السنوات الثلاث الماضية بعض أعلى مستويات إنتاج الأفيون في أفغانستان، وفقا لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة. وحتى مع تفشي جائحة “كوفيد-19″، ارتفعت زراعة الخشخاش بنسبة 37% العام الماضي، حسبما أفاد المكتب في مايو.

وأفاد مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بأن أعلى تقدير على الإطلاق لإنتاج الأفيون تم تحديده في عام 2017 عند 9900 طن بقيمة 1.4 مليار دولار في مبيعات المزارعين أو ما يقارب 7% من الناتج المحلي الإجمالي لأفغانستان.

 

وعندما تؤخذ قيمة المخدرات للتصدير والاستهلاك المحلي في الاعتبار، إلى جانب المواد الكيميائية السليفة المستوردة، قدّر مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة الاقتصاد الأفيوني غير المشروع الإجمالي للبلد في ذلك العام بما يصل إلى 6.6 مليار دولار.

 

وقال الخبراء إن طالبان والمسؤولين الحكوميين متورطون منذ فترة طويلة في تجارة المخدرات، على الرغم من أن البعض يشكك في مدى دور المتمردين وأرباحهم.

 

وتؤكد الأمم المتحدة وواشنطن أن طالبان متورطة في جميع الجوانب، من زراعة الخشخاش واستخراج الأفيون والاتجار إلى فرض “ضرائب” من المزارعين ومختبرات المخدرات إلى فرض رسوم للمهربين على الشحنات المتجهة إلى إفريقيا وأوروبا وكندا وروسيا ودول أخرى.

 

ويوضح مانسفيلد أن دراساته الميدانية تظهر أن أقصى ما يمكن أن تكسبه طالبان من المواد الأفيونية غير المشروعة هو نحو 40 مليون دولار سنويا، معظمها من الرسوم المفروضة على إنتاج الأفيون ومختبرات الهيروين وشحنات المخدرات.

 

وعلى الرغم من أن الجفاف أدى إلى انخفاض في الإنتاج منذ عام 2018، وأسعار المواد الأفيونية العالمية متغيرة للغاية، من ذروة تقدر بـ 6.6 مليار دولار أمريكي في عام 2017، انخفضت الإيرادات إلى أقل من 2.2 مليار دولار في عام 2018، أصبحت تجارة المخدرات العمود الفقري الحقيقي للاقتصاد الأفغاني.

 

ومنذ عام 2008 فصاعدا، جنت طالبان أكثر من نصف إيراداتها من المخدرات، وتنظيم الزراعة، وحماية المحاصيل، وتأمين طرق الإمداد الإجرامية إلى آسيا الوسطى. الآن، ستتاح لها الفرصة لاستخدام قوتها الموسعة لتنمية الأعمال التجارية حقا.

 

وفي عام 2020 وفقا لآخر مسح أجراه مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، كانت هناك زيادة بنسبة 37% في مساحة الأراضي المخصصة لزراعة الخشخاش. وارتبط هذا بمجموعة من العوامل بما في ذلك عدم الاستقرار السياسي والصراع، والجفاف المدمر، والفيضانات الموسمية العالية، وانخفاض التمويل الدولي وفرص العمل. ومن المرجح أن يستمر هذا لأن الدوافع الهيكلية لاقتصاد الأفيون، الصراع المسلح وسوء الحكم وانتشار الفقر، كلها تتحرك في اتجاه سلبي.

 

وفي كل من الريف والمدن الحدودية، يوفر اقتصاد الأفيون شريان حياة مهما للأفغان، الذين كان العديد منهم يعيشون بالفعل في أزمة إنسانية. ويأتي تصاعد الصراع في الوقت الذي أدى فيه الجفاف الشديد إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، في حين كان هناك أيضا ارتفاع في متغير الدلتا، ونزح حوالي 360 ألف شخص منذ بداية العام استجابةً لجميع المشاكل في البلاد.

 

وأيا كان السيناريو الذي سيحدث في البلاد، فمن غير المرجح أن يكون هناك تحول في اقتصاد المخدرات غير المشروع في أفغانستان في أي وقت قريب. وتصدر كل من طالبان والحكومة تصريحات حول معالجة المخدرات غير المشروعة، لكن الدوافع الكامنة وراء ذلك تظل قوية للغاية.

 

إن تجارة المخدرات ببساطة متجذرة بعمق في استراتيجيات البقاء لطالبان، والدولة، والميليشيات، والسكان على نطاق أوسع. وسيؤدي هذا للأسف إلى دفع سوق الهيروين العالمي، فضلا عن تغذية مشكلة المخدرات المتزايدة داخل أفغانستان والبلدان المجاورة.