رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

وسط تعنت تركي وغضب عراقي.. سوريا على مشارف الجفاف

نشر
الأمصار

حذر الخبراء منذ أشهر من وقوع كارثة إنسانية في شمال سوريا وشمال شرقها، إذ يمر نهر الفرات، وقد يهدد سير العمل في سدوده، إذ تراجع منسوب المياه فيها منذ يناير الماضي، قد يؤدي إلى انقطاع المياه والكهرباء عن ملايين السكان، وبالتالي يزيد من معاناة الشعب الذي خرت قواه بسبب حرب دامت لعقد كامل، وانهيار اقتصادي حاد.

وتقع المناطق المهددة بالجفاف تحت سيطرة الإدارة الذاتية الكردية، وتشير أصابع الاتهام إلى تركيا بمنع المياه واستخدامها كسلاح ضد المقاتلين الأكراد الذين تعدّهم “إرهابيين”، الأمر الذي نفاه مصدر دبلوماسي تركي.

وأعاد أسباب الجفاف إلى التغير المناخي الذي حذرت منه الأمم المتحدة في تقرير حديث من أنه سيؤدي إلى كوارث “غير مسبوقة” في العالم الذي تضربه موجات حرّ وفيضانات متتالية.

ومنذ يناير، تراجع منسوب المياه في السد خمسة أمتار. وفي حال استمراره الجفاف قد تتوقف السدود عن العمل نهائيا.

النهر الكبير

ينبع نهر الفرات، أطول أنهار غرب آسيا، من جبال طوروس في تركيا ويتدفق منها إلى سوريا، من مدينة جرابلس في ريف حلب الشمالي مرورًا بمحافظة الرقة شمالاً ومنها إلى دير الزور شرقًا، وصولًا إلى العراق.

أطلق عليه شعوب المنطقة القديمة النهر الكبير، كما كان الحد الفاصل بين الشرق والغرب بين بلاد آشور وبابل وبلاد شمال أفريقيا، وكانت كل من هاتين القوتين تسعيان لامتلاك الأراضي الواقعة بين وادي النيل والفرات.

أيضًا كان الفرات الحد الفاصل بين الشرق عن الغرب في عهد الفرس. كما كان أحد حدود المملكة السلوقية وكان يعد الحد الشرقي للإمبراطورية الرومانية.

وكانت بابل أعظم مدينة على شواطئه وكركميش المدينة الحثيّة شمال الجزيرة السورية (الفراتية).

وقد شهدت ضفاف هذا النهر معارك عديدة أشهرها المعركة التي انتصر فيها نبوخذ نصر الكلداني على فرعون نخاو الثاني المصري 605 ق.م.

ذكر الفرات مرات عدة في الكتب المقدسة لما له من دور حيوي في حياة سكان بلاد ما بين النهرين قديما وحديثا.

نهر الفرات

يستقبل نهر الفرات معظم مياهه من خلال هطول الأمطار، وذوبان الثلوج.

وترتفع مياه نهر الفرات بشكل خاص وكبير خلال الأشهر الممتدة من أبريل وحتى مايو ثم ينخفض تدفق مياه نهر الفرات خلال الصيف والخريف.

يُعد المنبع الرئيسي لنهر الفرات في تركيا الشرقية، ثمّ تتدفق إلى الخليج العربي، وهي في طريقها تمر عبر تركيا وسوريا والعراق.

ازدهرت العديد من الحضارات على ضفاف نهر الفرات خلال العصور القديمة، وكان من أهم حضاراتها إمبراطورية بلاد ما بين النهرين التي كانت جزءًا مما يسمى بالهلال الخصيب.

بنيت مدينة بابل التي تعتبر أهم المدن في العالم القديم على طول نهر الفرات. بنيت الكثير من السدود الكبيرة على طول نهر الفرات، وكان أهمها سد الفرات الذي بلغ ارتفاعه 200 قدم.

على الرغم من أنّ نهر الفرات لازال من أهم الأنهار حول العالم، إلا أنّه واجه العديد من المشكلات التي أثرت عليه بشكل سلبي، فتحولت التربة الخصبة إلى أرض قاحلة، وجافة.

سوريا

بمجرّد دخول نهر الفرات في الأراضي السورية فإنّه يمر من خلال جرابلس، ثمّ يمضي ليخترق محافظة الرقة، وفي الطريق ما بين جرابلس والرقة يتّحد معه كلٌّ من نهري البليخ والخابور. بعد أن يمرّ من الرقة يمر من خلال دير الزور، ويخرج من البوكمال.

كما توجد في سوريا 5 سدود على الفرات، أقيمت 3 منها في منتصف ستينيات القرن العشرين ضمن مشروع سد الفرات أو سد الثورة الذي شكل خلفه بحيرة اصطناعية كبيرة اسمها بحيرة الأسد تقع في محافظة الرقة قرب مدينة الثورة يحجز كمية من المياه تصل إلى 11.6 مليار متر مكعب قبل مدينة الرقة. واسم السد الآخر هو سد البعث ويقع في محافظة الرقة في مدينة المنصورة وأنشئ السدان الأخيران في أواخر الثمانينات للري السطحي. تنوي الحكومة السورية حاليًا إنشاء سد كبير آخر في منطقة التبني شمال دير الزور.

العراق

يدخل نهر الفرات دولة العراق من جهة محافظة الأنبار من مدينة القائم تحديدًا، لينتقل بعدها إلى بابل، ثمّ إلى كربلاء، إلّا أنّه قبل أن يدخل في كربلاء يتفرّع منه شط الحلة، وبعد كربلاء يسير إلى أن يصل كلّاً من النجف والديوانية، فالسماوة، فالناصرية، إلى أن يتّحد من النهر العظيم الآخر دجلة حتّى يشكّلا معًا شط العرب، والّذي يصبّ في النهاية في الخليج العربي.

يوجد في العراق يوجد 7 سدود عاملة على الفرات منذ سبعينيات القرن العشرين. وفي أوائل الثمانينيات، من أهمها سد حديثة. تم وصل الفرات مع دجلة بقناة قرب سامراء.

تركيا

في تركيا، يوجد 22 سدًا و19 محطة كهرومائية ضمن مشروع جنوب شرق الأناضول لاستصلاح مساحة كبيرة تعادل بلجيكا. ويعد سد أتاتورك أكبر السدود التركية الواقع على مسافة قريبة من الحدود السورية، ويحجز خلفه بحيرة صناعية كبيرة جدًا تصل مساحتها إلى 817 كم². ويلي سد أتاتورك من حيث الحجم سد كيبان حيث يحجز خلفه بحيرة صناعية بمساحة 675 كم².

لا يوجد اتفاق نهائي لتقاسم مياه الفرات بين الدول المتشاطئة وهي كل من تركيا وسوريا والعراق إلا أن الاتفاقية السورية التركية المؤقتة لعام 1987 تنظم الحصص بين سوريا وتركيا والتي تحصل بموجبها سوريا على معدل تدفق لا يقل عن 500 متر مكعب بالثانية من مياه نهر الفرات في حين اتفقت سوريا مع العراق عام 1989 على إطلاق 58% من مياه نهر الفرات الواردة إليها من تركيا فيما تكون الحصة الباقية لسوريا وهي 42%.

أزمة الجفاف 2021

نحن نتجه إلى كارثة بيئية “أعرب الخبراء عن قلقهم تجاه تراجع منسوب المياه في بحيرة الأسد حوالي خمسة أمتار، وبات يقترب من المنسوب الميت أيضًا.

وفي كامل شمال شرق سوريا، تراجع إنتاج الكهرباء بنسبة سبعين في المئة لأن سدي تشرين والطبقة لا يعملان بالشكل المطلوب، على ما يقول مسؤول هيئة الطاقة في شمال شرق سوريا

في سوريا، يمر الفرات بغالبيته في مناطق تحت سيطرة الإدارة الذاتية الكردية وذراعها العسكرية قوات سوريا الديموقراطية المدعومة من واشنطن، لكنها تعد خصمًا أساسًا لتركيا التي تصنف أبرز مكوناتها وحدات حماية الشعب الكردية، مجموعة “إرهابية”.

وتتهم الإدارة الذاتية أنقرة بعرقلة تدفق نهر الفرات إلى سوريا وباستخدام المياه كسلاح للضغط عليها. واتهمت دمشق أيضًا تركيا التي تدعم منذ بداية النزاع أطرافًا في المعارضة السورية، بحجز مياه نهر الفرات وعدم الالتزام بالاتفاقية الموقعة في 1987.

وقد أطلقت تركيا في التسعينيات مشاريع زراعية ضخمة في جنوب البلاد، وبات عليها اليوم وجراء تراجع نسبة الأمطار أن تفعل المستحيل للحفاظ على كميات المياه ذاتها اللازمة لمشاريع الري. وقد يكمن الحل باستغلال كبير لمياه الأنهر.

وحذرت الأمم المتحدة من أن فترات الجفاف ستصبح أطول وأكثر حدة حول البحر الأبيض المتوسط.

سوريا الأكثر تضررًا

وقد صنف مؤشر الأزمات العالمية العام 2019 سوريا على أنها البلد الأكثر عرضة لخطر الجفاف في منطقة المتوسط.

في ريف الرقة الشرقي، بات انكماش بحيرة الأسد، أكبر البحيرات الاصطناعية في سوريا، الهم الأكبر لدى عمال سد الطبقة من جهة والمزارعين من جهة ثانية.

وباتت فترة قطع الكهرباء تلامس 19 ساعة يوميًا في قريته، فيما مياه نهر يمر قرب قريته ملوثة.

وكان أكثر من خمسة ملايين شخص يعتمدون على النهر من أجل توفير مياه شرب نظيفة، لكنّ معظم المحطات التي كانت تتولى عملية تكرير المياه وتنقيتها باتت إما تعمل بتقطع أو توقّفت نهائيًا.

وبات على السكان شراء المياه من صهاريج خاصة، تتم تعبئتها من نهر الفرات لكن من دون تنقيتها، في وقت تتراكم مياه الصرف الصحي ويزداد التلوث.

وحذر ائتلاف منظمات تعمل في شمال شرق سوريا من انتشار الأمراض الناشئة عن تلوث المياه في محافظات حلب والرقة ودير الزور، فيما تسبّبت مياه معامل الثلج الملوّثة بانتشار الإسهال في مخيمات النازحين.

يهدد تراجع منسوب نهر الفرات “المجتمعات الريفية على ضفافه والتي تعتمد بشكل أساسي على الزراعة والري”، وفق ما تشرح الخبيرة السورية في الأمن البيئي مروى داوودي.

وأتى الجفاف، وفق منظمات إنسانية، على مساحات زراعية واسعة تعتمد أساسًا على مياه الأمطار، في بلد يعاني 60 في المئة من سكانه من انعدام الأمن الغذائي.

وأوردت الأمم المتحدة أن انتاج الشعير قد يتراجع 1,2 مليون طن العام الحالي، ما يصعّب تأمين العلف للحيوانات خلال الأشهر القليلة المقبلة.

ويرجح أن تكون سوريا تواجه جفافًا قد يستمر سنوات لم تشهده منذ آخر موجة جفاف فيها بين العامين 2005 و2010.

في العراق أيضًا، حذر المجلس النرويجي للاجئين من أن تراجع تدفق نهر الفرات قد يحرم سبعة ملايين شخص من المياه.

ولا تزال تركيا ماضية في بناء المزيد من السدود على نهري الفرات ودجلة اللذين يمثلان شريان الحياة لسوريا والعراق، وهو يضيف إلى أسباب انخفاض منسوب نهر الفرات.

وأدت المشاريع التركية إلى تراجع حصة العراق من النهرين بنسبة 80 في المئة حتى قبل الأزمة الحالية بينما حصة سوريا انخفضت بنسبة 40 في المئة.