مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

غزة على مفترق طرق في 2026.. بين هدنة قابلة للانهيار وسيناريوهات التصعيد

نشر
الأمصار

مع اقتراب عام 2026، تقف غزة أمام مرحلة شديدة التعقيد، تتداخل فيها الحسابات العسكرية بالضغوط السياسية والاقتصادية، في ظل هدنة تبدو هشة أكثر منها سلامًا حقيقيًا.

وتأتي زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى ولاية فلوريدا للقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في توقيت بالغ الحساسية، حيث لم تُحسم بعد ملامح ما إذا كان العام المقبل سيشهد تثبيتًا للتهدئة أم عودة واسعة إلى مربع الحرب.

ورغم إعلان وقف إطلاق النار في أكتوبر/تشرين الأول 2025، إلا أن الوقائع على الأرض تشير إلى أن الصراع لم يُغلق صفحته بعد، بل دخل مرحلة جديدة من إدارة الأزمة، دون حلول سياسية جذرية، وفق تقديرات مراكز أبحاث غربية متخصصة.

هدنة بلا ضمانات.. حرب مؤجلة أم سلام ناقص؟

الوقف الرسمي لإطلاق النار شكّل تحولًا مهمًا بعد شهور من العمليات العسكرية العنيفة، لكنه لم ينجح في إنهاء حالة التوتر المستمرة.

فالغارات الإسرائيلية لم تتوقف بالكامل، كما أن الوضع الأمني داخل القطاع لا يزال قابلًا للاشتعال مع أي تطور ميداني مفاجئ.

هذا المشهد يفرض حالة من “التهدئة القسرية”، حيث يغيب المسار السياسي الواضح، وتظل غزة رهينة توازن هش، قد ينهار مع أول اختبار أمني جدي.

وتزداد خطورة هذا السيناريو في حال توسع التصعيد إلى جبهات أخرى، سواء في جنوب لبنان أو الضفة الغربية، ما قد تستخدمه الحكومة الإسرائيلية داخليًا لإعادة تثبيت معادلة الردع، خاصة إذا اعتُبرت نتائج حرب غزة غير حاسمة استراتيجيًا.

الملف الدولي.. خطط طموحة تصطدم بواقع معقد

تعتمد الرؤية الأمريكية المطروحة لغزة ما بعد الحرب على مسارين رئيسيين:
الأول يتمثل في إنشاء إطار دولي للإشراف على إعادة الإعمار، والثاني في نشر قوة استقرار متعددة الجنسيات مع بداية 2026، استنادًا إلى قرار أممي داعم.

غير أن هذه الخطط تواجه تحديات جوهرية، أبرزها فجوة التنفيذ.

فعدد من الدول المشاركة وضع شروطًا صارمة تتعلق بحدود الانتشار والتفويض الأمني، بينما فضّلت دول أخرى الابتعاد عن المشاركة بسبب غموض المهام والمخاطر المحتملة.

وهذا التردد الدولي يُضعف فرص تشكيل قوة قادرة على فرض استقرار فعلي داخل القطاع، ويحوّلها – في أفضل الأحوال – إلى وجود رمزي محدود التأثير.

كما أن الخلافات حول تشكيل مجلس الإشراف الدولي وصلاحياته تعكس حالة من انعدام الثقة بين الأطراف الدولية والإقليمية، ما يزيد من تعقيد المشهد.

الاقتصاد والإنسان.. قنبلة موقوتة

لا يمكن فصل مستقبل غزة السياسي عن واقعها الاقتصادي والإنساني، الذي وصل إلى مستويات غير مسبوقة من التدهور.

فبحسب تقارير اقتصادية فلسطينية رسمية، دخل اقتصاد القطاع في حالة ركود عميق خلال عام 2025، مع تراجع حاد في الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بما قبل الحرب.

الدمار الواسع للبنية التحتية، وتوقف عجلة الإنتاج، وارتفاع معدلات البطالة والفقر، كلها عوامل تُنتج بيئة خصبة للغضب وعدم الاستقرار، ما يجعل أي تهدئة أمنية دون معالجة اقتصادية حقيقية عرضة للانهيار.

في المقابل، لم تكن إسرائيل بمنأى عن التداعيات الاقتصادية، إذ تشير تقديرات رسمية إلى أن حرب غزة ستترك آثارًا طويلة المدى على الاقتصاد الإسرائيلي، مع ارتفاع الإنفاق العسكري، وتزايد الدين العام، وتباطؤ النمو خلال السنوات المقبلة.

مشهد سياسي فلسطيني منقسم

يدخل عام 2026 وسط مشهد فلسطيني شديد التعقيد والانقسام، فالسلطة الفلسطينية تواصل إدارة شؤونها في الضفة الغربية ضمن قيود سياسية وأمنية متزايدة، بينما تظل غزة ساحة نفوذ فصائل مسلحة، في ظل غياب مشروع سياسي جامع.

وفي هذا السياق، قد تُبدي بعض الفصائل، وعلى رأسها «حماس»، مرونة تكتيكية في بعض الملفات، لكن أي تحول حقيقي يظل مشروطًا بضمانات سياسية واضحة تتعلق بإنهاء الاحتلال وفتح أفق الدولة الفلسطينية، وهو ما لا تظهر له مؤشرات واقعية حتى الآن.

ترامب ونتنياهو.. قرارات مؤجلة أم خرائط جديدة؟

يشكل اللقاء المرتقب بين ترامب ونتنياهو محطة مفصلية في رسم ملامح المرحلة المقبلة.

فواشنطن تملك أدوات الضغط والدعم في آن واحد، لكنها تبدو حذرة من الانخراط في تسوية نهائية، مفضلة إدارة الصراع بدلًا من حسمه.

أما الحكومة الإسرائيلية، فتسعى إلى الحفاظ على هامش المناورة العسكري والسياسي، دون تقديم التزامات واضحة بشأن مستقبل غزة أو العملية السياسية الأوسع. 

بين هدنة غير مكتملة، وخطط دولية متعثرة، وأوضاع اقتصادية وإنسانية متدهورة، يبدو أن عام 2026 قد يكون عامًا لإدارة الأزمات في غزة، لا لحلها.

ويبقى السؤال مفتوحًا: هل تنجح الضغوط الدولية في تثبيت مسار تهدئة مستدامة، أم تعود المنطقة إلى دوامة العنف مع أول اختلال في ميزان الردع؟

وفي ظل غياب حلول جذرية، تظل غزة على حافة الاحتمالات كافة، حيث السلام المؤجل لا يقل خطورة عن الحرب المؤجلة.