ارتفاع الاستشارات الطبية عن بُعد في أوروبا.. كيف غير كورونا الرعاية الصحية؟
بعد خمس سنوات على ذروة جائحة كوفيد-19، لم تعد الاستشارة الطبية عن بُعد حلا مؤقتًا فرضته الظروف، بل تحولت إلى جزء ثابت من أنظمة الرعاية الصحية في عدد متزايد من الدول الأوروبية. فرغم تراجع معدلات استخدامها مقارنة بذروة الجائحة، لا تزال هذه الخدمة أعلى بكثير مما كانت عليه قبل عام 2020، مع تفاوت لافت بين دولة وأخرى.
خلال عام 2019، لم يتجاوز متوسط الاستشارات الطبية عن بُعد نصف استشارة سنويًا لكل مريض في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. لكن مع القيود الصحية والمخاطر المرتبطة بالزيارات الحضورية، قفز هذا الرقم إلى 1.3 استشارة في عام 2021. وبحلول 2023، استقر المعدل عند استشارة واحدة سنويًا، في مؤشر على أن الطب عن بُعد لم يتراجع كليًا، بل دخل مرحلة الاستقرار بعد الطفرة.
إسبانيا وليتوانيا على رأس القائمة
اللافت أن دولًا مثل إسبانيا وليتوانيا سجلت أكبر قفزة، حيث تضاعف معدل الاستشارات بأكثر من مرة واحدة للفرد، بينما بقيت دول كبرى مثل ألمانيا شبه ثابتة عند مستويات منخفضة جدًا. في المقابل، حافظت دول شمال أوروبا، مثل الدنمارك والسويد، على حضور قوي للاستشارات عن بُعد، إذ بات نحو ربع المواعيد الطبية يُجرى عبر الهاتف أو الفيديو.
استونيا
وتتصدر إستونيا المشهد أوروبيًا، حيث تتم أكثر من ثلث الاستشارات الطبية عن بُعد، ما يعكس نضجًا رقميًا متقدمًا وبنية تحتية قوية. وعلى النقيض، لا تزال فرنسا وألمانيا تعتمد بشكل أساسي على الزيارات الحضورية، نتيجة عوامل ثقافية وتنظيمية وتحفظ مهني تجاه الحلول الرقمية.
توسع الاستشارات عن بعد
ويجمع خبراء الصحة على أن استمرار توسع الطب عن بُعد لا يرتبط بالجائحة وحدها، بل يعتمد على قرارات سياسية واضحة، ونظم تعويض مالي عادلة، وبنية رقمية متطورة، إضافة إلى تقبل الأطباء والمرضى لهذا النموذج. فالدول التي استثمرت مبكرًا في الصحة الرقمية استطاعت تحويل الاستشارة عن بُعد من حل طارئ إلى خدمة روتينية وفعالة.
في المحصلة، يبدو أن أوروبا دخلت عصر الطبيب على الخط، لكن بسرعة متفاوتة، حيث ترسم السياسات الوطنية والثقافة الرقمية حدود هذا التحول الصحي غير المسبوق.