2025.. عام الحسم الأمني في تونس ضد مخاطر الإخوان
لم يكن عام 2025 عامًا عاديًا في المسار السياسي والأمني للجمهورية التونسية، بل مثّل نقطة تحول فارقة في معركة الدولة مع التنظيمات المتطرفة، وفي مقدمتها تنظيم الإخوان، الذي حاول على مدار سنوات إرباك مؤسسات الدولة وزعزعة الثقة بينها وبين المواطنين.
ففي هذا العام، انتقلت تونس من مرحلة إدارة المخاطر إلى مرحلة التحصين الشامل، عبر مقاربة أمنية استباقية لم تكتفِ بمنع وقوع التهديدات، بل عملت على تفكيك شبكات التحريض، وتجفيف منابع التمويل، وإغلاق المسارات التي حاولت الجماعات المتطرفة النفاذ منها لإعادة إنتاج الفوضى.
وبينما كانت المنطقة تشهد تصاعدًا في الصراعات المفتوحة والتوترات الإقليمية، نجحت الدولة التونسية في تثبيت معادلة أمنية لافتة، تمثلت في الحفاظ على الاستقرار الداخلي دون تسجيل أي هجوم إرهابي، في رسالة واضحة بأن مؤسسات الدولة استعادت زمام المبادرة، وأن العبث بالأمن القومي لم يعد خيارًا متاحًا.

عام بلا هجمات إرهابية
وسجل عام 2025 سابقة أمنية مهمة في تونس، حيث مرّ دون وقوع أي عملية إرهابية، وهو ما عكس نجاح الاستراتيجية الأمنية التي اعتمدتها السلطات خلال السنوات الأخيرة، والقائمة على اليقظة الدائمة والعمل الاستباقي.
وفي هذا السياق، أكد المتحدث الرسمي باسم الإدارة العامة للأمن الوطني التونسي، العميد عماد مماشة، في تصريحات رسمية خلال أبريل/نيسان الماضي، أن البلاد لم تعد تضم “فلولًا” لجماعات إرهابية منظمة، مشددًا على أن الوضع الأمني يشهد تحسنًا مستمرًا، وأن تونس ستبقى آمنة رغم كل التحديات.
ودعا المسؤول الأمني المواطنين إلى مواصلة التعاون مع الأجهزة المختصة، والإبلاغ عن أي تحركات مشبوهة، مؤكدًا أن الوعي المجتمعي يمثل أحد أعمدة النجاح في مكافحة الإرهاب.
إخفاق الإخوان وانتقالهم إلى حرب الشائعات
وخلال عام 2025، تلقى تنظيم الإخوان في تونس ضربات متتالية أفقدته قدرته على التأثير السياسي أو الحشد الشعبي، بعد فشل دعواته المتكررة للتظاهر وعدم تمكنه من تحريك الشارع.
وبعد هذا الفشل، لجأ التنظيم إلى ما وصفته الأجهزة الأمنية بـ”الحرب الناعمة”، عبر نشر الشائعات، وتضليل الرأي العام، وتوظيف منصات رقمية للتشكيك في مؤسسات الدولة وبث الإحباط بين المواطنين.
غير أن الأجهزة الأمنية التونسية تعاملت مع هذا الأسلوب باعتباره امتدادًا للتهديد الإرهابي، فتم رصد شبكات التحريض الإلكتروني، وتعقب مصادر التمويل، وإفشال محاولات نقل الفوضى من الفضاء الافتراضي إلى الواقع الميداني.
وأكدت وزارة الداخلية التونسية أن هذه التحركات فشلت في تحقيق أهدافها، خاصة في ظل غياب أي قاعدة شعبية حقيقية للتنظيم.
محاولة استغلال الاحتجاجات البيئية في قابس
ومن أخطر المحاولات التي شهدها العام، ما عُرف بـ”مخطط قابس”، حيث حاولت مجموعات منظمة استغلال احتجاجات بيئية مشروعة في محافظة قابس جنوب شرق تونس، على خلفية التلوث الصناعي، وتحويلها إلى حالة من الفوضى والعنف.
وكشفت وزارة الداخلية التونسية أن المخطط تضمن استخدام نحو 500 شمروخ حارق و800 زجاجة حارقة (مولوتوف)، إلى جانب أسلحة بيضاء ووسائل خطرة، مع تسجيل أعمال شغب وسرقة واعتداء على الممتلكات العامة والخاصة.
وتمكنت وحدات الحرس الوطني التونسي من السيطرة على الوضع، وتأمين مقر المجمع الكيميائي، وحماية ما يقارب 100 ألف طن من المواد الخطرة، كانت كفيلة بإحداث كارثة بيئية وإنسانية غير مسبوقة في حال المساس بها.
وأكدت الوزارة أن يقظة المواطنين لعبت دورًا حاسمًا في إفشال المخطط، مشيرة إلى أن التنظيم حاول توظيف الملف البيئي لتحقيق أهداف سياسية تخريبية تخدم أجندات داخلية وخارجية.
المؤسسة العسكرية وتأمين الحدود
على الصعيد العسكري، أعلن وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أن الوضع الأمني في البلاد مستقر نسبيًا، رغم التوترات الإقليمية المتصاعدة.
وأوضح وزير الدفاع التونسي أن هذا الاستقرار جاء نتيجة العمليات الاستباقية التي نفذتها القوات العسكرية والأمنية لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، والضغط على العناصر المشبوهة وشل تحركاتها.
وأكد أن الوحدات العسكرية تواصل انتشارها في المناطق الجبلية، خاصة في جبال الشعانبي وسمامة والمغيلة والسلوم، بهدف مراقبة المسالك الجبلية ومنع تسلل العناصر الإرهابية.
وفي 30 يوليو/تموز، أعلنت السلطات التونسية تمديد العمل بالمنطقة العسكرية العازلة على الحدود مع ليبيا لمدة عام إضافي، ابتداءً من 29 أغسطس/آب 2025، وفق قرار نُشر في الجريدة الرسمية، في خطوة تعكس إدراك الدولة لتداخل خطر الإرهاب مع تهديدات الهجرة غير النظامية.
قراءات سياسية: استئصال جذور التطرف
وفي قراءة سياسية للمشهد، قال القيادي في التيار الشعبي التونسي محسن النابتي، إن الوضع الأمني شهد تحسنًا ملحوظًا خلال عهد الرئيس التونسي قيس سعيد.
وأوضح النابتي، أن تنظيم الإخوان فقد نفوذه السياسي والمالي والإعلامي، ولجأ مجددًا إلى حملات التحريض والتشويه بعد فشله في التأثير على الشارع.
وأشار إلى أن الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس التونسي في 25 يوليو/تموز 2021 كانت ضرورية لإنقاذ الدولة ومؤسساتها، واصفًا إياها بـ”العملية الجراحية” التي أوقفت تمدد التنظيم داخل مفاصل الدولة.
وأضاف أن دعم المسار السياسي في تونس مستمر، مع وجود ملاحظات تتعلق بالملفات الاقتصادية والاجتماعية، مؤكدًا أن هذه التحفظات لا تعني الاصطفاف مع جماعة الإخوان.
يقظة مستمرة وتحذير من محاولات العودة
من جانبه، قال الناشط السياسي التونسي خالد بالطاهر إن تونس حققت خلال عام 2025 تقدمًا كبيرًا في الملف الأمني، بفضل التنسيق بين المؤسستين الأمنية والعسكرية.
وأوضح بالطاهر أن تنظيم الإخوان في الخارج لا يزال يسعى إلى إثارة البلبلة وتشويه صورة الدولة التونسية، داعيًا إلى ضرورة مواصلة الحذر واليقظة لمنع أي محاولات تهدف إلى زعزعة الاستقرار.
خلاصة المشهد
وبين الضربات الاستباقية، والتعاون المجتمعي، وتشديد الرقابة على الحدود، يؤكد حصاد عام 2025 أن تونس نجحت في تحصين أمنها الداخلي، وإغلاق بوابات الفوضى التي حاولت التنظيمات المتطرفة العبور منها، لترسخ معادلة جديدة عنوانها: دولة يقظة، ومؤسسات فاعلة، وأمن قومي لا يقبل المساومة.