مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

انتكاسة جديدة تعصف ببوادر انفراج العلاقات بين الجزائر وفرنسا

نشر
الأمصار

تشهد العلاقات بين الجزائر وفرنسا توتراً متصاعداً بعد أسابيع فقط من بوادر الانفراج، وذلك إثر سلسلة من الأحداث المتلاحقة التي أعادت الجدل بين البلدين إلى الواجهة.

 فقد رافق اعتقال ناشط جزائري في باريس، وتثبيت حكم قضائي قاسٍ على صحافي فرنسي في الجزائر، موجة من التصريحات والكتابات الحادة، التي أعادت التذكير بتعقيدات العلاقة التاريخية والسياسية بين الطرفين.

اعتقال مهدي غزار… بداية أزمة جديدة

أعلنت «قناة الجزائر الدولية» عن توقيف محللها وناشطها المعروف مهدي غزار في باريس ليلة الثلاثاء، واحتجازه لساعات قبل الإفراج عنه في صباح اليوم التالي، دون تقديم تفسيرات واضحة من الشرطة الفرنسية.
وبحسب وكالة الأنباء الجزائرية، أُبلغ غزار أنه موضوع ضمن «الملف S»، وهو تصنيف خاص بالأشخاص الذين يُعتبرون تهديداً محتملاً للأمن العام، إضافة إلى إدراجه ضمن قائمة المطلوبين.

غزار، وهو رجل أعمال وناشط سياسي، كان قد برز في الفترة الأخيرة بمواقفه المنتقدة لفرنسا، وشارك في وسائل إعلام جزائرية في التحليل والتعليق على الأزمة الثنائية منذ منتصف 2024. 

كما سبق أن تم إيقافه عن المشاركة في برنامج تلفزيوني فرنسي بسبب مواقفه بشأن الحرب على غزة.

وتشير مصادر جزائرية إلى معاناة غزار من تفتيش متكرر في مطارات باريس خلال الأشهر الأخيرة، وهو ما اعتبرته السلطات الجزائرية «تصعيداً غير مبرر»، يكرّس حالة التوتر.


 

خلفيات سياسية ودبلوماسية

 

لعب غزار دوراً في إدارة حملة الرئيس عبد المجيد تبون في فرنسا خلال انتخابات 2024، كما يُشتبه في قيادته مجموعة «المجاهدون 2.0»، التي هاجمت معارضين جزائريين مقيمين في فرنسا في ذروة التوتر بين البلدين.

ويرجح مراقبون أن يؤدي توقيفه الأخير إلى تباطؤ خطوات تحسين العلاقات، في وقت كان من المفترض أن يزور وزير الداخلية الفرنسي لوران نونييز الجزائر بنهاية الشهر الحالي لإعادة ترتيب ملفات عالقة.


 

قضية الصحافي الفرنسي كريستوف غليز… صدمة في باريس

 

في المقابل، جاء تثبيت الحكم الابتدائي بالسجن 7 سنوات على الصحافي الرياضي الفرنسي كريستوف غليز بتهمة «الإشادة بالإرهاب»، ليؤجج الوضع أكثر.
غليز كان في الجزائر لإجراء استطلاع حول نادي «شبيبة القبائل» قبل توقيفه، وكانت باريس تأمل في حكم مخفف أو إطلاق سراحه، إلا أن القرار القضائي فاجأها.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عبّر عن «قلق بالغ»، وأكد أن بلاده ستواصل العمل على إعادة الصحافي إلى فرنسا «في أقرب وقت».
هذا التصريح أثار ردود فعل غاضبة في الجزائر، التي اعتبرت الموقف الفرنسي «تدخلاً في عمل القضاء».


 

الإعلام الجزائري يرد بقوة

وخصّصت صحف جزائرية مؤثرة مساحات واسعة للرد على الموقف الفرنسي.
صحيفة «لو سوار دالجيري» كتبت مقالاً بعنوان «عندما تغرق باريس في نفاقها الخاص»، انتقدت فيه ما وصفته بـ«ازدواجية المعايير الفرنسية»، مشيرة إلى حادثة اعتقال موظف في القنصلية الجزائرية بباريس بناءً على إشارة هاتف، معتبرة ذلك «خرقاً لأعراف العمل الدبلوماسي».

وتحدثت الصحيفة عن ما قالت إنه «تغاضي» فرنسا عن مذكرات توقيف دولية تجاه مسؤولين جزائريين سابقين متورطين في قضايا فساد، في حين تشدد في قضايا أخرى تتعلق بمواطنينها.

أما صحيفة «الخبر» فأشارت إلى أن وسائل إعلام فرنسية قريبة من اليمين المتطرف «شنّت حملة ممنهجة»، وصوّرت الجزائر على أنها «بلد يقمع الصحافة»، معتبرة أن هذه الحملة كانت جاهزة مسبقاً وليست مجرد رد فعل.


 

خلفية تاريخية وثقل الملفات العالقة

لا يمكن فصل ما يجري عن الإرث التاريخي للعلاقة بين البلدين، إذ ظلت الملفات المرتبطة بالذاكرة، والهجرة، والأمن، والتأشيرات، تشكّل نقاطاً حساسة.
وقد شهدت العلاقات أسوأ مراحلها في صيف 2024 بعد اعتراف الإليزيه بسيادة المغرب على الصحراء، وما تبع ذلك من ردود فعل جزائرية غاضبة.

ومع تعيين وزير داخلية فرنسي جديد بعد رحيل برونو ريتايو، ساد الأمل ببداية مرحلة تهدئة، لكن الأحداث الأخيرة أعادت التوتر إلى الواجهة.

 

الرسائل المتبادلة والسيناريوهات المحتملة

تعتقد مجلة «جون أفريك» أن التصعيد الإعلامي والسياسي يحمل رسائل مبطنة بين باريس والجزائر.
وبحسب المجلة، فإن «الهدف الحقيقي هو الإيحاء بأن الإفراج عن الصحافي الفرنسي قد يرتبط بخطوة مقابلة من الجزائر»، في إشارة إلى ملف الدبلوماسي الجزائري الموقوف سابقاً في فرنسا.

وتشير تقديرات دبلوماسية إلى أن البلدين يسيران نحو مرحلة حساسة، تتطلب معالجة هادئة وإرادة سياسية مشتركة لإعادة مسار العلاقات إلى وضعه الطبيعي.

 

خلاصة

تأتي هذه التطورات في وقت كان يفترض أن يشهد تهدئة بين الجزائر وفرنسا، لكن الأحداث الأخيرة – اعتقال ناشط في باريس، وإدانة صحافي فرنسي في الجزائر، وتصاعد السجالات الإعلامية – أعادت العلاقات إلى مربع التوتر.

وبينما يسعى كل طرف إلى تأكيد سيادته القضائية وأمنه الداخلي، يبقى مستقبل العلاقات رهناً بقدرة الطرفين على تجاوز الملفات الشائكة، والعودة إلى الحوار البنّاء، خاصة في ظل ارتباطهما بتعاون اقتصادي وأمني وثقافي عميق يمتد لعقود.