مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

تراجع مخزون السدود في المغرب وتحديات إدارة مياه الأمطار

نشر
الأمصار

شهدت السدود في المغرب تراجعًا ملحوظًا في مستويات مخزونها المائي خلال السنوات الأخيرة، ما أثار قلق السلطات والمزارعين بشأن استدامة الزراعة وتأمين مياه الشرب والأنشطة الصناعية. 

تعتبر السدود العمود الفقري لإدارة المياه في المملكة، حيث تجمع المياه الناتجة عن الأمطار والثلوج والسيول الموسمية لتخزينها وتوزيعها حسب الحاجة، لكن هذه البنية التحتية تواجه تحديات متزايدة نتيجة عدة عوامل طبيعية وبيئية وإدارية.

أول هذه التحديات يتمثل في انخفاض معدلات هطول الأمطار في بعض المناطق، وهو انعكاس مباشر لتغير المناخ الذي أدى إلى تقلبات حادة بين سنوات الأمطار الغزيرة وفترات الجفاف الطويلة. 

هذا التفاوت يجعل من الصعب على السدود الحفاظ على مخزونها المثالي، ويزيد من الضغط على المياه خلال فترات الجفاف الممتدة.

ثانيًا، تواجه السدود إشكالية تراكم الأوحال والطمي في قاعها، نتيجة انجراف التربة من الأراضي الزراعية والمناطق الجبلية المحيطة. 

هذه الرواسب تقلل من القدرة التخزينية الفعلية للسدود وتؤثر على جودة المياه، كما تزيد من تكلفة وعمليات ضخها واستخدامها، إذ تتطلب تنظيفًا وصيانة مستمرة. ويؤكد الخبراء أن ضعف استراتيجيات إدارة وتنظيف هذه الرواسب يؤدي إلى فقدان ملايين الأمتار المكعبة من المياه سنويًا.

ثالثًا، هناك مشكلة تصريف مياه الأمطار الزائدة مباشرة إلى البحر بدل توجيهها للسدود أو خزانات التخزين.

 وتشير الدراسات إلى أن استثمار مياه الأمطار عبر قنوات متخصصة يمكن أن يضاعف المخزون المائي المتاح، كما يقلل من الفاقد ويزيد من قدرة السدود على مواجهة فترات الجفاف. 

بعض الدول التي تعاني من ندرة المياه تعتمد بنجاح على شبكات قنوات لتوجيه السيول نحو السدود، ما يمثل نموذجًا يمكن للمغرب الاستفادة منه.

كما أن جمع مياه الأمطار من الأسطح والأراضي الفارغة والمناطق الصناعية في خزانات خاصة يُعد أحد الحلول الفعالة لزيادة المخزون المائي. هذه الاستراتيجية تساعد في تقليل الفاقد المائي وتحمي المدن من الفيضانات المفاجئة، بالإضافة إلى تعزيز المخزون المتاح للزراعة والشرب. 

ويمكن ربط هذا النهج بمشاريع زراعة الغابات وحماية الأراضي الرطبة، للحد من انجراف التربة وتراكم الأوحال في السدود.

من جانب آخر، يشدد خبراء المياه على أهمية تطوير البنية التحتية للسدود وتأهيل القنوات القديمة، التي بنيت منذ عقود ولم تُحدّث أنظمة تصريفها أو تنظيفها بانتظام. إدخال تقنيات حديثة لمراقبة مستويات المياه، وتحليل الرواسب الطينية، وصيانة القنوات بشكل مستمر، من شأنه تعزيز كفاءة التخزين وتقليل الهدر.

كما يُوصى بتبني سياسات تشجيعية لسكان المناطق الحضرية والريفية لجمع مياه الأمطار واستخدامها في الزراعة، بما يقلل الضغط على السدود ويزيد من وعي المجتمع بأهمية الموارد المائية. وتشمل هذه السياسات دعم مشاريع تخزين المياه في المدارس والمستشفيات والمرافق العامة، وتوفير خزانات منزلية بأسعار مخفضة.

أخيرًا، يمثل ربط الأحواض المائية والسدود عبر قنوات أو أنظمة ضخ ذكية خيارًا استراتيجيًا لمواجهة ندرة المياه في المغرب على المدى الطويل، إذ يمكن توجيه المياه الفائضة من مناطق الفيضانات إلى سدود أخرى منخفضة المخزون. تتطلب هذه المشاريع استثمارات كبيرة، لكنها تضمن الأمن المائي وتحقيق الاستخدام الأمثل للمياه المتاحة.

تراجع مياه السدود في المغرب ليس مجرد ظاهرة مؤقتة، بل تحدٍ استراتيجي يتطلب مزيجًا من تحديث البنية التحتية، إدارة الأوحال، جمع مياه الأمطار، وتحفيز المجتمع على المشاركة في الحفاظ على المياه. عبر هذه الإجراءات، يمكن للمغرب حماية موارده المائية وضمان استدامة الزراعة وتوفير مياه الشرب لسكانه، وتحويل أزمة الجفاف إلى فرصة لتطبيق إدارة ذكية ومستدامة للموارد المائية.