مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

الصعود التركي في سوريا.. من المواجهة إلى التحالف

نشر
الأمصار

منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، برزت تركيا لاعباً محورياً في مسار التطورات داخل سوريا، وسط قناعة واسعة بأنها أسهمت بشكل كبير في الانتقال السلس لفصائل المعارضة إلى العاصمة دمشق، ودعمت سريعاً الإدارة الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، مقدمة نفسها كأحد أبرز الداعمين لمرحلة ما بعد الأسد.

 تركيا من خصم إلى شريك… انقلاب جذري في علاقتها بدمشق

كانت أنقرة أول دولة ترسل مسؤولاً رفيعاً إلى دمشق بعد التغيير السياسي، حيث زار رئيس جهاز المخابرات التركي إبراهيم كالين العاصمة السورية في 12 ديسمبر، وأجرى لقاءً مع الشرع في قصر الشعب قبل أن يؤدي الصلاة في الجامع الأموي، في مشهد رآه كثيرون تجسيداً لوعد قديم للرئيس رجب طيب إردوغان في الأيام الأولى للثورة السورية.

التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية التركي هاكان فيدان عززت الانطباع بأن تركيا أدت دوراً أساسياً في حسم المعركة ضد النظام السابق. فقد كشف أن أنقرة تمكنت من إقناع روسيا وإيران بعدم التدخل لإسناد الأسد خلال اجتماعات جرت في الدوحة ضمن صيغة آستانة في 7 و8 ديسمبر 2024، مؤكداً أن النظام كان “في أضعف حالاته” وأن المعارضة سيطرت على مناطق مهمة مثل حلب دون مقاومة تذكر.

وفي أغسطس 2025، عقدت مجموعة التنسيق بين المؤسسات التركية اجتماعاً برئاسة نائب وزير الخارجية نوح يلماز، الذي يشغل حالياً منصب سفير تركيا في دمشق. وتم خلال الاجتماع بحث مسار العلاقات مع سوريا والخطوات المتوقعة لتعزيز التعاون بين البلدين.

وخلال الأشهر اللاحقة، تسارعت التحركات التركية في سوريا. فقد أعادت أنقرة فتح سفارتها في دمشق وقنصليتها في حلب، ووقعت مذكرة للتعاون العسكري في 12 أغسطس، إضافة إلى دعم الحكومة السورية في مكافحة تنظيم داعش، ومحاولة إقناع الولايات المتحدة بالتخلي عن دعم قوات سوريا الديمقراطية التي تعتبرها تهديداً لأمنها القومي.

 تأسيس تحالف إقليمي 

كما سعت تركيا إلى تأسيس تحالف إقليمي يقوم على مبدأ “الملكية الإقليمية”، يضم سوريا والأردن والعراق ولبنان، إلا أن الاجتماعات التي استضافتها عمان في مارس الماضي لم تنجح في إرساء آلية دائمة للتعاون. وبدلاً من ذلك، تم إنشاء مركز عمليات مشترك في دمشق لتنسيق الجهود ضد داعش.

شهدت الأشهر التالية سلسلة من اللقاءات الثنائية بين وزراء الخارجية والدفاع ورؤساء المخابرات في البلدين، إضافة إلى ثلاث زيارات للرئيس أحمد الشرع إلى تركيا بين فبراير وأغسطس، وزيارات متبادلة على مستويات رفيعة.

اقتصادياً، أعادت تركيا فتح جميع المعابر الحدودية مع سوريا، واتفقت مع دمشق على تشكيل لجنة اقتصادية وتجارية مشتركة، والبدء بمشاريع لإنشاء مناطق صناعية بهدف إنعاش الاقتصاد السوري. كما استُعيد نشاط مجلس الأعمال بين البلدين بعد توقف دام أكثر من 14 عاماً.

ماذا يمكن أن تقدم تركيا لسوريا لتحقيق الاستقرار الأمني والعسكري والاقتصادي؟  (تقرير) - وكالة أنباء تركيا

وتطمح أنقرة لرفع صادراتها إلى سوريا إلى ملياري دولار قبل نهاية 2025، مستفيدة من التحسن الكبير في العلاقات الاقتصادية. كما بدأت بدعم خطط تهدف لجعل مدينة حلب مركزاً لوجستياً بارزاً في المرحلة المقبلة.

وتشير المعطيات إلى تغير لافت في الأهداف التركية داخل سوريا؛ فبعد أن كانت أنقرة تسعى لإنشاء منطقة آمنة على حدودها الجنوبية، باتت اليوم تركز على إنهاء دور “قسد” عبر إدماجها في مؤسسات الدولة السورية، وضمان انتقال مسؤولية تأمين سجون داعش إلى الحكومة الجديدة، إضافة إلى استعدادها لملء أي فراغ قد يتركه انسحاب القوات الأميركية من شمال شرقي سوريا.

التحركات التركية 

في المقابل، أثارت التحركات التركية قلق إسرائيل التي تخشى تحوّل تركيا إلى القوة الأكثر نفوذاً في سوريا بدلاً من إيران. وسبق أن نفذت إسرائيل ضربات طالت مواقع عسكرية سورية لمنع ترسخ وجود تركي جديد، خاصة بعدما تردد أن أنقرة تسعى لإقامة قواعد جوية في حمص بعد سقوط النظام.

الولايات المتحدة تابعت هذه التطورات عن كثب. وخلال لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في يوليو 2025، قال ترمب إنه هنأ إردوغان على “أخذ سوريا”، بحسب تعبيره، قبل أن يعرض التوسط في الخلافات التركية الإسرائيلية. لكن نتنياهو أبدى رفضه لأي وجود عسكري تركي دائم في سوريا معتبراً أنه يشكل تهديداً مباشراً لإسرائيل.

تركيا وسوريا.. تحالف المصير وبوابة النهضة (مقال) - وكالة أنباء تركيا

من جانبها، شددت تركيا على أن أولويتها هي ضمان عدم تحول سوريا إلى مصدر تهديد لأي طرف، وأن الجميع مطالبون باحترام سيادة واستقلال الدول في المنطقة. كما أعربت أنقرة عن عدم انزعاجها من محادثات بين دمشق وتل أبيب، مؤكدة أن هدفها الأول هو وحدة الأراضي السورية.

وفي تصريحات جديدة، رد إردوغان على قول نتنياهو بأن إسرائيل “أوقفت تركيا في سوريا”، مشيراً إلى أن بلاده ستواصل تحركاتها وفق أولوياتها الاستراتيجية، دون الالتفات إلى ما يرد في الصحافة الإسرائيلية.