تقارب هندي روسي يكشف اتساع الخلاف بين مودي وترامب
فى تطور لافت يعكس إعادة ترتيب موازين الشراكات الدولية، أعلنت جمهورية الهند وروسيا الاتحادية إطلاق برنامج تعاون اقتصادي واستراتيجي يمتد حتى عام 2030، في خطوة تحمل أبعادًا سياسية تتجاوز الجانب الاقتصادي، وتُظهر بوضوح اتساع الهوة بين رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والرئيس الأميركي دونالد ترامب.
الإعلان الذي جاء خلال لقاء رسمي بين مودي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اعتُبر رسالة مباشرة بأن نيودلهي تتجه بثبات نحو سياسة “تعدد الأقطاب” وتحقيق هامش استقلالية أوسع عن النفوذ الأميركي.
الاتفاق الذي أُطلق تحت مسمى "رؤية 2030" يضم حزمة واسعة من المجالات، أبرزها رفع مستوى التبادل التجاري ليصل إلى 100 مليار دولار، بجانب توسيع التعاون في الطاقة والتكنولوجيا والدفاع والصناعات المشتركة وتبادل العمالة.
السلطات في الهند وصفت هذا البرنامج بأنه يمثل "عمودًا ثابتًا" في علاقاتها الدولية، رغم ما وصفته بـ"التحديات والضغوط" التي تفرضها البيئة الإستراتيجية العالمية وتقلبات السياسات الأميركية.
هذا التقارب يأتي على خلفية سلسلة من التوترات بين الهند والولايات المتحدة خلال العامين الماضيين. فقد شهدت العلاقات بين البلدين خلافات تجارية واسعة، بعد أن فرضت واشنطن رسومًا جمركية مرتفعة على عدد من السلع الهندية، إضافة إلى ضغوط أميركية متصاعدة على نيودلهي بسبب استمرارها في استيراد النفط الروسي بأسعار تفضيلية. الإدارة الأميركية، خصوصًا خلال فترة حكم ترامب، اعتبرت هذا الاتجاه "تحديًا مباشرًا" لسياساتها التي تهدف إلى تقليص العائدات الروسية.
لكن بالنسبة لنيودلهي، فإن الشراكة مع موسكو ليست خطوة عابرة، بل جزء من إرث طويل يمتد لعقود، خاصة في قطاع الدفاع؛ إذ تعتمد الهند بشكل أساسي على المعدات العسكرية الروسية وخبرتها الفنية.
هذا الاعتماد التاريخي جعل محاولات واشنطن لاستبدال السلاح الروسي ببدائل أميركية أو غربية أقل تأثيرًا، وهو ما ظهر بوضوح في استمرار الهند بتوقيع صفقات دفاعية جديدة مع روسيا رغم الاعتراضات الأميركية.

ويرى محللون سياسيون أن تعزيز التعاون مع روسيا خلال هذه المرحلة يمثل ردة فعل مباشرة على السياسات الأميركية الأخيرة التي وصفها مسؤولون هنود بأنها "غير مستقرة" و"تقوم على الابتزاز التجاري". ويشير هؤلاء إلى أن مودي يسعى إلى الحفاظ على استقلال القرار السياسي للهند، وضمان عدم رهن أمنها الطاقي والعسكري بتغيرات السياسة الأميركية، خصوصًا في ظل عودة ترامب لواجهة المشهد السياسي الأميركي بمواقفه المتشددة تجاه الشركاء التجاريين.
وتواجه الهند اليوم معضلة استراتيجية صعبة؛ فهي من جهة شريك رئيسي للولايات المتحدة في مجالات التكنولوجيا والاستثمار والتوازنات الآسيوية، ومن جهة أخرى تعتمد على روسيا لضمان أمنها العسكري واحتياجاتها من الطاقة.
هذا التوازن الدقيق جعل نيودلهي تميل مؤخرًا إلى خيار "تنويع الحلفاء"، وهو ما تجسده رؤية 2030 التي تعطي للعلاقة مع موسكو بعدًا جديدًا في السياسات الهندية.
ويؤكد خبراء العلاقات الدولية أن التقارب الروسي الهندي الأخير ليس مجرد اتفاق اقتصادي، بل مؤشر على إعادة تشكل النظام العالمي، وعودة الدول الصاعدة إلى لعب دور مستقل، بعيدًا عن محاور الضغط التقليدية. بالنسبة للهند، قد تكون هذه الخطوة بداية تحول سياسي أكبر، يُعيد صياغة علاقتها مع الولايات المتحدة ويقلل من تأثير الضغوط الأميركية على قراراتها السيادية.