مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

اتفاق "أوكوس" الأمني.. لماذا عاد للواجهة بعد مصادقة البنتاغون؟

نشر
الأمصار

في خطوة تؤكد استمرار التحالفات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" تمسّكها الكامل باتفاق "أوكوس" AUKUS الأمني، وهو الاتفاق الذي يجمع واشنطن ولندن وكانبيرا، ويُعد أحد أهم المشاريع العسكرية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

 ويهدف الاتفاق إلى تعزيز القدرات العسكرية لأستراليا عبر تزويدها بغواصات تعمل بالدفع النووي، في إطار مواجهة النفوذ المتصاعد للصين في المنطقة.

 

ورغم التغييرات السياسية التي شهدتها الدول الثلاث خلال الأعوام الماضية، عاد الاتفاق ليتصدر المشهد من جديد، خصوصاً بعد المراجعة التي طلبتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي أثارت تساؤلات واسعة حول مستقبل هذا التحالف العسكري.

في هذا الصدد، نستعرض ما هو اتفاق أوكوس؟ ولماذا تمسكت به واشنطن؟ وما المكاسب التي سيحصل عليها كل طرف؟ ولماذا يُعد الاتفاق نقطة تحوّل استراتيجية في التوازن العسكري العالمي؟

 

ما هو اتفاق "أوكوس"؟

 

اتفاق AUKUS هو شراكة أمنية ثلاثية أُعلن عنها لأول مرة في سبتمبر 2021، خلال عهد الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، وبمشاركة رئيس الوزراء الأسترالي حينها سكوت موريسون ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون. ويهدف الاتفاق إلى تمكين أستراليا من الحصول على تكنولوجيا الغواصات النووية الأمريكية والبريطانية، لتصبح بذلك ثاني دولة بعد المملكة المتحدة تحصل على هذه التكنولوجيا الحساسة من الولايات المتحدة.

وترتكز الاتفاقية على ثلاثة أركان أساسية:

  1. تعزيز القدرات الدفاعية البحرية لأستراليا عبر تزويدها بغواصات نووية من طراز "فرجينيا".
  2. تعزيز التعاون العسكري والاستخباراتي بين الدول الثلاث.
  3. مواجهة التمدد العسكري الصيني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

 

 

لماذا طلب ترامب مراجعة الاتفاق؟

في يونيو الماضي، ورغم أن الاتفاق أُبرم قبل وصول ترامب إلى السلطة، طلبت الإدارة الجديدة مراجعة شاملة لبنوده. هذا الطلب أثار قلق أستراليا، التي اعتبرت الاتفاق ركيزة أساسية في استراتيجيتها العسكرية خلال العقود الثلاثة المقبلة.

لكن وبعد مراجعة استمرت خمسة أشهر، أعلن البنتاغون أن الاتفاق "يتوافق بالكامل مع سياسة أمريكا أولا الاستراتيجية"، مؤكداً أن الاتفاقية تُعزّز موقع واشنطن العالمي ولا تتعارض مع نهج ترامب.

وأوضح المتحدث باسم البنتاغون شون بارنيل أن المراجعة كشفت "فرصاً لتعزيز الاتفاق ووضعه على أسس أكثر صلابة"، مضيفاً أن التوجيهات الحالية تسعى إلى تسريع تنفيذ الاتفاق دون تأخير.

 

تحديات فنية.. لكن لا تغيير في القرار

ورغم الدعم السياسي الكبير للاتفاق، إلا أنه يواجه تحديات تقنية هائلة، أبرزها:

  • محدودية القدرات الحالية لبناء الغواصات النووية.
  • الضغط على أحواض التصنيع الأميركية.
  • التكلفة العالية والمدة الزمنية الطويلة المطلوبة.

وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث أكد وجود فجوة بين القدرات الحالية وما يحتاجه المشروع، لكن المسؤولين في الكونغرس يرون أن بيع ثلاث غواصات من طراز "فرجينيا" لأستراليا ابتداء من عام 2032 "غير قابل للتشكيك".

على الجانب الآخر، أعرب وزير الصناعة الدفاعية الأسترالي بات كونروي عن ارتياحه لنتائج المراجعة، مؤكداً أن بلاده ستتعامل بجدية مع توصيات واشنطن.

أستراليا.. المستفيد الأكبر

لا شك أن أستراليا الطرف الأكثر استفادة من اتفاق "أوكوس"، حيث يتيح لها:

  • امتلاك غواصات نووية قادرة على التحرك لمسافات بعيدة وبسرعات أعلى.
  • القدرة على تنفيذ ضربات بعيدة المدى لأول مرة في تاريخها العسكري.
  • تعزيز حضورها في منطقة تتصاعد فيها التوترات مع الصين.
  • تلقي 235 مليار دولار استثمارات على مدى 30 عاماً ضمن مشروع التطوير.

بالإضافة إلى ذلك، سيرسل البحرية الملكية الأسترالية بحّارة لتلقي تدريب مكثف في القواعد الأمريكية والبريطانية، مما يسهم في نقل خبرات نوعية إلى كانبيرا.

 

ماذا تستفيد بريطانيا؟

بالنسبة للمملكة المتحدة، فإن المكاسب كبيرة أيضاً:

  • خلق 7 آلاف فرصة عمل جديدة في قطاع الصناعات الدفاعية.
  • تصميم وبناء أسطول جديد من الغواصات النووية بالتعاون مع واشنطن.
  • تعزيز دور لندن كحليف دفاعي أساسي في المنطقة.

ويمثّل المشروع فرصة لإنعاش قطاع الصناعات البحرية البريطانية، الذي يُعد من أكبر القطاعات الاستراتيجية في البلاد.

 

ما المكاسب التي تحصل عليها الولايات المتحدة؟

رغم أن بعض المحللين يرون أن المكاسب الأمريكية أقل وضوحاً، إلا أن واشنطن تستفيد بشكل كبير من الاتفاق عبر:

  • تعزيز وجودها العسكري في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
  • إظهار التزامها بحلفائها في مواجهة النفوذ الصيني.
  • تحديث شبكات التحالف الدفاعي التي كانت أولوية في عهد بايدن وتستمر اليوم في عهد ترامب.
  • تعميق التعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا.

ابتداءً من 2027، ستنشر واشنطن عدداً صغيراً من غواصاتها النووية في بيرث غرب أستراليا، وهو ما يعزز حضورها الاستراتيجي في المنطقة.

 

 

خلافات مع فرنسا.. وتداعيات مستمرة

عند توقيع الاتفاق عام 2021، دخلت باريس في أزمة دبلوماسية حادة مع كانبيرا، بعدما ألغت الأخيرة صفقة غواصات تقليدية بقيمة مليارات الدولارات كانت موقعة مع فرنسا.

ورغم مرور سنوات، فإن هذا الملف ما زال يُعد نقطة توتر بين باريس وكانبيرا، حيث اعتبرت فرنسا القرار "طعنة في الظهر".

 

اتفاق "أوكوس" ليس مجرد صفقة غواصات، بل هو تحالف استراتيجي طويل الأمد يعيد تشكيل موازين القوى في منطقة تُعد الأكثر حساسية في العالم اليوم. 

وبعد مصادقة البنتاغون، يبدو أن الاتفاق دخل مرحلة جديدة من التنفيذ، مما يؤكد أن واشنطن ولندن وكانبيرا تتحرك بخطى ثابتة لتشكيل جبهة موحدة بمواجهة النفوذ الصيني.