تفاصيل اللقاء المرتقب بين الرئيس الروسي والمبعوث الأمريكي نحو الحل السلمي
يأتي اللقاء المرتقب بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف في لحظة مفصلية من مسار الصراع الروسي الأوكراني، حيث تتقاطع التحركات الدبلوماسية مع ضغوط الواقع الميداني، ويتطلع المجتمع الدولي إلى أي اختراق سياسي قد يفتح الباب أمام تسوية شاملة. التصريحات التي صدرت عن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف توحي بأن موسكو تنظر بجدية إلى هذا الاجتماع، معتبرة أنه خطوة مهمة نحو الحل السلمي، وإن كانت تربط أي تقدم بتحقيق أهداف العملية العسكرية الروسية.
سياق اللقاء وأهميته
يكتسب هذا اللقاء أهمية خاصة لأنه يأتي بعد محادثات أميركية – أوكرانية مكثفة جرت خلال الأيام الأخيرة في ميامي، شارك فيها وفد أوكراني رفيع المستوى، وقد حمل ويتكوف إلى موسكو مجموعة من المقترحات التي وضعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في محاولة لإيجاد صيغة مقبولة لإنهاء الحرب المستمرة منذ عام 2022. وتشير المصادر الروسية إلى أن موسكو تنتظر رؤية مدى جدية المقترحات الأميركية وواقعيتها في ضوء الظروف السياسية والعسكرية القائمة.
بالنسبة للكرملين، يمثل هذا اللقاء فرصة لاختبار النوايا الأميركية الجديدة، خصوصاً بعد تغير الإدارة والسياسات المرتبطة بالتعامل مع الأزمة الأوكرانية. كما ترى روسيا أن واشنطن، باعتبارها الداعم الأساسي لكييف، تمتلك القدرة على التأثير في أي مسار تفاوضي محتمل.
موقف الكرملين من المحادثات
أوضح ديمتري بيسكوف أن روسيا منفتحة على محادثات السلام، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن أي حل يجب أن ينسجم مع الأهداف التي وضعتها موسكو ضمن ما تصفه بـ"العملية العسكرية الخاصة".
وهذا يعني أن روسيا لن تقبل بأي تسوية لا تعترف بواقع سيطرتها الميدانية أو مصالحها الإستراتيجية، خصوصاً في مناطق الشرق والجنوب الأوكراني.
وبيّن بيسكوف أن روسيا تسعى إلى "حل للصراع يمتد لأجيال قادمة"، وهو تعبير يعكس رغبة موسكو في وضع ترتيبات أمنية طويلة الأمد تحول دون عودة التوتر أو محاولات أوكرانية مستقبلية لاستعادة المناطق المتنازع عليها من خلال القوة. كما يشير هذا الطرح إلى أن روسيا تبحث عن ضمانات سياسية ودستورية تتعلق بوضع أوكرانيا، وربما مسألة عضويتها المستقبلية في حلف شمال الأطلسي.
الدوافع الروسية للانخراط في الحوار
هناك عدة عوامل تدفع موسكو لإبداء مرونة نسبية في هذا التوقيت. أولاً، الحرب الممتدة منذ سنوات أثرت بشكل واضح على الاقتصاد الروسي، رغم قدرة موسكو على الصمود وتجاوز العقوبات بطرق مختلفة. لكن التحديات الاقتصادية والعسكرية تظل عاملاً مهماً في حسابات الكرملين.
ثانياً، تدرك القيادة الروسية أن التغيير السياسي في الولايات المتحدة قد يفتح نافذة جديدة للتفاوض، خاصة إذا كانت الإدارة الأميركية الحالية تمتلك رغبة حقيقية في إنهاء الحرب من خلال حل توافقي يرضي الطرفين بدرجة مقبولة.
ثالثاً، التطورات الميدانية خلال العام الأخير أظهرت حالة من التوازن النسبي، دون حسم واضح لأي طرف، الأمر الذي يفتح الباب أمام المفاوضات كخيار واقعي.
الدور الأميركي ومقترحات ترامب
يأتي ستيف ويتكوف إلى موسكو وهو يحمل مقترحات من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي سبق أن تحدث عن إمكانية إنهاء الحرب خلال فترة قصيرة إذا تولى الطرفان التفاوض برعاية مباشرة من واشنطن. ويبدو أن الإدارة الأميركية ترغب في إثبات قدرتها على حل الأزمات الدولية المعقدة، خصوصاً تلك التي ترتبط بالأمن الأوروبي وبعلاقات واشنطن مع حلفائها في الناتو.
وبحسب مصادر مطلعة على المحادثات التي جرت في ميامي، فإن المقترحات الأميركية تشمل ترتيبات سياسية وأمنية تتضمن وقفاً لإطلاق النار، وتجميداً لخطوط التماس العسكرية، وبدء حوار حول الوضع النهائي للمناطق المتنازع عليها، إلى جانب ضمانات لأمن أوكرانيا، وربما صياغة جديدة لعلاقتها بالحلف الأطلسي.
موقف أوكرانيا من المسار التفاوضي
رغم أن الوفد الأوكراني شارك في المحادثات التي سبقت زيارة ويتكوف لموسكو، إلا أن كييف لا تزال متوجسة من أي اتفاق قد يكرّس خسارتها لمناطق تعتبرها جزءاً لا يتجزأ من سيادتها. ومع ذلك، فإن الضغوط الاقتصادية والعسكرية على أوكرانيا تزداد، خصوصاً في ظل تراجع الدعم العسكري والمالي من بعض الدول الغربية مقارنة بسنوات الحرب الأولى.
وتعلم أوكرانيا أن موقف واشنطن سيكون حاسماً في تحديد مستقبل المفاوضات، إذ لا يمكنها الدخول في تسوية كبرى دون دعم أميركي مباشر وضمانات حقيقية بشأن أمنها.
التوقعات المحتملة للقاء
من غير المتوقع أن يؤدي لقاء بوتين وويتكوف إلى اتفاق فوري، لكنه قد يشكل بداية لمسار تفاوضي جديد، خاصة إذا أبدت موسكو استعداداً لمناقشة مقترحات ترامب بمرونة نسبية. وقد يدفع هذا اللقاء نحو عقد جولة إضافية من المحادثات، ربما بمشاركة أوكرانيا بشكل مباشر، أو في إطار دولي أوسع.
كما قد يستخدم الطرفان اللقاء لاختبار سقف مطالب كل جانب، وقياس مدى إمكانية التقارب في النقاط الجوهرية، خصوصاً ما يتعلق بالحدود، مستقبل المناطق الخاضعة للسيطرة الروسية، والأمن الإقليمي.
يمثل الاجتماع المرتقب بين الرئيس الروسي والمبعوث الأميركي حدثاً مهماً قد يفتح باباً جديداً لإعادة النظر في مسار الحرب الأوكرانية. وبينما تصر موسكو على ضرورة تحقيق أهداف عمليتها العسكرية، تسعى واشنطن إلى إيجاد صيغة توقف النزاع وتمنع تمدده. أما أوكرانيا فتقف بين رغبتها في استعادة أراضيها، وواقع الضغوط التي قد تدفعها للقبول بحلول وسط.
ورغم أن الطريق إلى السلام لا يزال طويلاً ومعقداً، فإن الحوار المباشر بين موسكو وواشنطن يبقى خطوة أساسية نحو تسوية قد تغيّر شكل المشهد السياسي في أوروبا لعقود مقبلة.