مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

فضيحة الاحتيال في مينيسوتا: أموال الضرائب تصل «الشباب» بالصومال

نشر
الأمصار

تعيش ولاية مينيسوتا الأمريكية واحدة من أكبر الفضائح في تاريخ برامج الرعاية الاجتماعية في البلاد، بعد أن كشفت التحقيقات عن اختفاء مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب، وتورط جزء كبير منها في دعم جماعات إرهابية خارج الولايات المتحدة، أبرزها حركة "الشباب" الصومالية الموالية لتنظيم القاعدة.

تشير التحقيقات التي تجريها السلطات في الولاية إلى وجود شبكة معقدة من الاحتيال، تضمنت تداخل العقلية القبلية لبعض الجاليات المهاجرة مع ضعف الرقابة البيروقراطية على برامج الرعاية الاجتماعية، ما أتاح لمجموعة من المحتالين استغلال الأموال العامة بطريقة منظمة، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة "نيويورك بوست" الأمريكية.

ورغم ضخامة الأزمة، واجهت وسائل الإعلام المحلية وبعض المسؤولين الديمقراطيين في مينيسوتا انتقادات واسعة، حيث اعتبر البعض أن هناك "تغاضيًا متعمداً" عن القضية، خشية اتهامات بالعنصرية أو فقدان الدعم السياسي من الجالية الصومالية الكبيرة والمؤثرة في الولاية.

تداخل القبائل والبيروقراطية

كشف تحقيق فيدرالي عن وجود شبكة من العلاقات المعقدة بين أفراد الجالية الصومالية وبعض مسؤولي الدولة المنتخبين، ما ساعد في خلق بيئة فساد مزدهرة داخل برامج الرعاية الاجتماعية. 

وصرح مصدر فيدرالي مطلع أن "أكبر ممول لحركة الشباب هو دافع الضرائب في مينيسوتا"، في إشارة إلى حجم الأموال التي تم تحويلها عبر شبكات الاحتيال إلى الخارج.

يقول الخبراء إن جزءاً من الأزمة ينبع من "التساهل البيروقراطي"، حيث سمحت متطلبات القبول المنخفضة وبرامج الدعم الميسرة لبعض الفئات الضعيفة بوجود ثغرات ضخمة، استغلها المحتالون لتحقيق مكاسب مالية كبيرة على حساب خزائن الولاية الفيدرالية.

ثغرات برامج ميديكيد للسكن

برز برنامج خدمات العثور على السكن، التابع لبرنامج "ميديكيد"، كأبرز مثال على الانهيار الرقابي. أُطلق البرنامج عام 2020 لمساعدة الفئات الضعيفة في الحصول على سكن ملائم، لكنه كان مصمماً بمتطلبات قبول منخفضة وغياب شبه كامل للرقابة المالية، ما فتح الباب أمام عمليات احتيال ضخمة.

قفزت تكلفة البرنامج من 21 مليون دولار عام 2021 إلى 104 ملايين دولار عام 2024، ما أثار الشكوك حول مدى شفافية استخدام هذه الأموال. وفي أغسطس/آب الماضي، أوقفت دائرة الخدمات الإنسانية 77 مقدم خدمات للاشتباه في تورطهم في عمليات الاحتيال، قبل أن تعلق البرنامج مؤقتاً.

المدعي العام الفيدرالي السابق، جو طومسون، وصف البرنامج بأنه "جزء كبير منه كان احتياليًا… شركات وهمية أُنشئت فقط لسرقة الأموال العامة"، مؤكداً أن التحقيقات كانت مجرد بداية لكشف شبكة أكبر من المحتالين.

قضية «فيدينغ أور فيوتشر»: احتيال 250 مليون دولار

في تطور منفصل، كشف مكتب الادعاء عن قضية احتيال ضخمة في منظمة "فيدينغ أور فيوتشر" الأمريكية، التي تأسست عام 2016 لدعم برامج تغذية الأطفال. توسعت المنظمة خلال جائحة كورونا بشكل كبير، مدعية تقديم آلاف الوجبات يومياً، إلا أن التحقيقات كشفت سجلات مزورة للوجبات وتلاعباً بالتمويل الفيدرالي.

حصلت المنظمة عام 2021 على 200 مليون دولار من التمويل الفيدرالي، لكن الأموال استُخدمت في شراء عقارات وسيارات فاخرة داخل الولايات المتحدة وخارجها. وعند مواجهة مسؤولي الولاية بالتحقيق، رفعت المنظمة دعوى متهمة إياهم بـ"العنصرية"، في محاولة لإسكات الرقابة، بحسب المحققين.

وأكد السيناتور الأمريكي السابق، ديفيد غايثر، أن "هذه حيلة معروفة: عندما يضيق الخناق، يتم اتهام السلطات بالعنصرية"، مشيراً إلى وجود علاقات تربط أفراد هذه الشبكات بمسؤولين منتخبين، بينهم مقربون من النائبة إلهان عمر.

احتيال برنامج علاج التوحد: رشاوى وتشخيصات وهمية

في تطور آخر، ظهرت قضية احتيال جديدة في برنامج علاج الأطفال المصابين بالتوحد، بلغت قيمتها 14 مليون دولار، وارتبطت بنفس الأشخاص المتورطين في قضية "فيدينغ أور فيوتشر".

المتهمة الرئيسية، عائشة فرح حسن، وشركاؤها قدموا رشاوى تتراوح بين 300 و1500 دولار لكل طفل لتسجيله في خدمات العلاج، حتى بدون تشخيص طبي، ما أدى إلى تضخم هائل في مطالبات برنامج "ميديكيد"، إذ قفزت من 3 ملايين دولار عام 2018 إلى 399 مليون دولار عام 2023.

عند اكتشاف المخطط، تبين أن طفلًا من كل 16 طفلاً صومالياً بعمر 4 سنوات قد تم تشخيصه بالتوحد، أي أكثر بثلاثة أضعاف المعدل العام في الولاية. 

وقال طومسون إن "هذه الشبكات سرقت مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب".

تتبع الأموال والروابط بالإرهاب

كشف مكتب التحقيقات الفيدرالي أن 28 قضية احتيال كبرى تم كشفها في مينيسوتا منذ عام 2019، وأغلبها مرتبط بشبكات من الجالية الصومالية. وأظهرت المعلومات الاستخباراتية أن ملايين الدولارات حُوّلت عبر شبكات الحوالة التقليدية إلى الصومال، حيث انتهى جزء منها لدى حركة الشباب الإرهابية.

وقال أحد المحققين إن "هناك روابط حقيقية بين هذه الشبكات في مينيسوتا والجماعات الإرهابية في الخارج"، مؤكداً أن مينيسوتا كانت الولاية الأولى في عدد الأمريكيين الذين حاولوا الالتحاق بتنظيم داعش خلال العقد الماضي.

وأشار السيناتور السابق غايثر إلى أن ما تم كشفه حتى الآن قد يكون مجرد بداية، مع احتمال ظهور المزيد من الفضائح المرتبطة بفساد نظام الرعاية الاجتماعية في الولاية الأمريكية.

 

تعتبر هذه الفضيحة أحد أكبر الانهيارات في برامج الرعاية الاجتماعية الأمريكية، ليس فقط من حيث حجم الأموال المهربة، بل أيضاً من حيث التأثيرات الأمنية على الصعيد الدولي، خاصة فيما يتعلق بتمويل الجماعات الإرهابية في الصومال. 

وتعكس القضية حاجة ماسة لإصلاحات عاجلة في برامج الدعم الاجتماعي وتعزيز الرقابة المالية، لمنع استغلال أموال دافعي الضرائب في أنشطة غير مشروعة، سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها.