محادثات بين الولايات المتحدة والصين.. خطوة نحو خفض التوترات بالمحيط الهادئ
في تطور لافت يعكس محاولات متجددة لاستعادة قنوات الاتصال العسكري بين أكبر قوتين في العالم، أعلنت البحرية الصينية اليوم السبت أنّ الجيشين الصيني والأميركي عقدا سلسلة محادثات أمن بحري «صريحة وبنّاءة» في ولاية هاواي الأميركية خلال الأسبوع الماضي.
ويأتي هذا اللقاء بعد أشهر من التوترات التجارية والسياسية والعسكرية التي أثقلت العلاقات بين البلدين، مما أعطى لهذه الاجتماعات أهمية مضاعفة على صعيد الأمن الإقليمي والدولي.

وبحسب البيان الصادر عبر الحساب الرسمي لبحرية جيش التحرير الشعبي الصيني على منصات التواصل الاجتماعي، فقد جرت هذه الاجتماعات على مستوى العمل خلال الفترة الممتدة من 18 إلى 20 نوفمبر (تشرين الثاني) في هاواي.
ونقلت وكالة «رويترز» تفاصيل إضافية حول الاجتماع الذي عُدّ خطوة جديدة في إطار إعادة بناء الثقة بين القوتين العسكريتين، خاصة بعد تجميد عدد من قنوات التواصل في السنوات السابقة نتيجة تصاعد الخلافات.
استئناف قنوات التواصل بعد سنوات من الانقطاع
المحادثات البحرية الأخيرة ليست الأولى من نوعها، لكنها تُعد الأكثر أهمية خلال السنوات الأخيرة.
فقد استأنف الجانبان في أبريل (نيسان) الماضي أول محادثات عسكرية على مستوى العمل منذ بداية الولاية الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترمب.
وتندرج هذه المحادثات في إطار مجموعة عمل الاتفاقية التشاورية البحرية العسكرية، وهي آلية ثنائية تُعقد عادة مرتين سنوياً بهدف منع الحوادث البحرية والجوية بين الجيشين وتخفيف مخاطر سوء الفهم أو التصعيد.
ورغم أنّ استئناف هذه الاجتماعات يشير إلى رغبة مشتركة في التهدئة، فإنّ الخلفية التي تأتي فيها لا تزال معقدة؛ فالتوترات في بحر الصين الجنوبي وتايوان وتطوير القدرات العسكرية للطرفين لا تزال ملفات خلافية لم تُحسم بعد.

قضايا شائكة على الطاولة: الأمن البحري والجوي
وفي بيانها، أكدت البحرية الصينية أنّ الجانبين أجريا «محادثات صريحة وبنّاءة» وتبادلا وجهات النظر بشأن الوضع الأمني البحري والجوي بين الولايات المتحدة والصين.
وقد شملت المناقشات معالجة عدد من الحوادث السابقة والسيناريوهات المحتملة للاحتكاك في المياه الدولية، بهدف وضع آليات تمنع سوء التقدير وتضمن تفاعلاً أكثر مهنية وأماناً بين الوحدات العسكرية في المناطق الحساسة.
هذه المحادثات تأتي في وقت تزداد فيه احتمالات الاحتكاكات البحرية بين الجانبين، خاصة في مناطق تعتبرها الصين جزءاً من سيادتها مثل مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي، بينما تراها واشنطن مياهاً دولية مفتوحة يحق لجميع الدول الإبحار فيها بموجب القانون الدولي.
انتقادات صينية لعمليات «حرية الملاحة» الأميركية
البيان الصيني لم يخلُ من الانتقاد المباشر لواشنطن، حيث جدّدت الصين معارضتها الشديدة لعمليات حرية الملاحة التي تنفذها البحرية الأميركية بانتظام في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان.
ووصفت بكين هذه العمليات بأنها «استفزازات» و«انتهاكات» لسيادتها، معتبرة أنّ استمرارها يُعرّض الاستقرار الإقليمي للخطر.
وقالت البحرية الصينية في بيانها:
«الصين تعارض بشدة أي انتهاك أو استفزاز، سواء كان بحرياً أو جوياً، بالقرب من مناطق سيادتها».
وتأتي هذه التصريحات في وقت تتهم فيه الصين الولايات المتحدة بمحاولة تطويق نفوذها العسكري ومنعها من فرض سيطرتها على المناطق المتنازع عليها، بينما ترى واشنطن أنّ وجودها وتسيير دورياتها أمر أساسي للحفاظ على حرية الملاحة في أحد أكثر الممرات البحرية حساسية في العالم.
مناقشة حوادث الاحتكاك وسبل تفاديها
ركّز الجانبان أيضاً على مناقشة «الحالات المعهودة من المواجهات البحرية والجوية» بين القوات الأميركية والصينية، وهي حوادث تزايدت في السنوات الأخيرة، بما في ذلك اعتراض طائرات وتحذيرات متبادلة بين السفن.
وتهدف هذه النقاشات إلى توفير بروتوكولات واضحة تضمن أن يتصرف القادة العسكريون في الخطوط الأمامية بشكل احترافي، وتمنع وقوع حوادث خطيرة قد تؤدي إلى صدام مباشر غير مقصود. وهذا الجانب تحديداً كان مطلباً أميركياً ملحاً خلال الأشهر الماضية.
مخاوف واشنطن من النشاط العسكري الصيني
على صعيد آخر، كان وزير الدفاع الأميركي بيت هيجسيث قد أثار في اجتماع الشهر الماضي مع نظيره الصيني «دونغ جون» مخاوف بلاده من تنامي النشاط العسكري الصيني في بحر الصين الجنوبي وحول تايوان. وتواصل الصين تعزيز وجودها العسكري والجوي والبحري حول الجزيرة التي تعتبرها «إقليماً تابعاً لها»، في حين ترفض تايبيه هذه الادعاءات، وتدعمها واشنطن باعتبارها شريكاً أمنياً مهماً.
وتحاول وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) الدفع باتجاه زيادة الشفافية بشأن التوسع السريع في القدرات العسكرية الصينية، بما في ذلك تطوير الترسانة النووية وزيادة عدد الصواريخ الدقيقة والطائرات المقاتلة، وإقامة مزيد من القواعد العسكرية في المناطق المتنازع عليها.
خطوة نحو المستقبل: اجتماع جديد في 2026
وفي ختام الاجتماعات، اتفق الطرفان على عقد اجتماع متابعة في عام 2026 ضمن إطار العمل نفسه، مما يعكس رغبة مشتركة في استمرار الحوار رغم التحديات السياسية والعسكرية الكبيرة.
ويبدو أن واشنطن وبكين تدركان أنّ غياب التواصل قد يجعل أي حادث صغير شرارة لأزمة كبرى، وأنّ الاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ يتطلب قنوات اتصال مفتوحة وفعّالة.
تمثل المحادثات التي عُقدت في هاواي خطوة مهمة نحو تخفيف التوتر بين أكبر قوتين في العالم، وإن كانت لا تعني إذابة جميع الخلافات، لكنّها تشير إلى إدراك متزايد لدى الجانبين بأنّ إدارة المنافسة الاستراتيجية تحتاج إلى حوار مستمر، وليس مجرد مواجهات أو استعراض للقوة.
وبينما يبقى الوضع في بحر الصين الجنوبي وتايوان مرشحاً لمزيد من التوتر، فإنّ استئناف هذه المحادثات قد يوفّر صمام أمان يحدّ من مخاطر الانزلاق نحو صدام غير مقصود.