قمة مجموعة العشرين في جوهانسبرج.. نقطة تحول في مسيرة التعاون الدولي

مع بداية فصل جديد في تاريخ التعاون الدولي، شهدت جوهانسبرج اليوم الجمعة وصول قادة الدول ورؤساء الحكومات استعداداً لانطلاق قمة مجموعة العشرين لهذا العام، والتي تُفتتح رسميًا السبت، وتستمر حتى يوم الأحد.

 تُعد قمة مجموعة العشرين من أهم المنتديات السياسية والاقتصادية التي تجمع ممثلين عن أقوى اقتصادات العالم، وتُعد هذه الدورة، التي تُعقد في جنوب أفريقيا، حدثًا استثنائيًا خاصة مع كونها المرة الأولى التي تُستضيف فيها دولة أفريقية هذا الحدث الكبير.

 وبذلك، تصبح جنوب أفريقيا نقطة محورية في مسار مجموعة العشرين، مع تحديات كبيرة وتوقعات عالية بشأن القضايا العالمية الساخنة التي ستتم مناقشتها.

تُعد القمة هذا العام فرصة تاريخية لتسليط الضوء على دور القارة الأفريقية في النظام الاقتصادي العالمي، كما تمثل فرصة للجنوب أفريقيين لإبراز مكانتهم على الساحة الدولية.

 وسط أجواء مشحونة بالتوترات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية، يترقب الجميع كيف ستتمكن جنوب أفريقيا من إدارة التحديات العالمية المعقدة، بما في ذلك قضايا تغير المناخ، التحول الرقمي، القضايا الاقتصادية، والأمن الدولي.

الاستعدادات للقمة

تتواصل الاستعدادات للقمة بشكل مكثف منذ أسابيع عدة، حيث أكدت الحكومة الجنوب أفريقية اكتمال كافة التجهيزات اللوجستية والتنظيمية لضمان سير فعاليات القمة بأعلى مستويات الكفاءة.

 مركز "ناسريك إكسبو" في جوهانسبرج، الذي يُعد الموقع الرئيسي لأحداث القمة، يكتسب أهمية خاصة في هذا السياق. 

فقد تم تجهيز المركز بشكل يتماشى مع المعايير الدولية، ويستوعب حشوداً ضخمة من الصحفيين والمراقبين والزوار الدوليين الذين يتوافدون من جميع أنحاء العالم لتغطية فعاليات القمة.

علاوة على ذلك، تشهد القمة هذا العام مشاركة مئات ممثلي وسائل الإعلام من مختلف أنحاء العالم، مما يجعلها حدثًا بارزًا على الصعيد الإعلامي والسياسي.

 وقد أُدرجت قضايا تتعلق بالاقتصاد العالمي، تغير المناخ، الأمن الغذائي، والعدالة الاجتماعية على جدول أعمال القمة، ما يجعلها محط أنظار ليس فقط لزعماء الدول الكبرى، بل أيضًا للعديد من المراقبين الدوليين من المنظمات غير الحكومية، الشركات الكبرى، والمراكز البحثية.

جنوب أفريقيا رئيسًا لمجموعة العشرين

في خطوة تاريخية، تولت جنوب أفريقيا رئاسة مجموعة العشرين في ديسمبر 2024، لتصبح بذلك أول دولة أفريقية تشغل هذا المنصب.

 ويمثل هذا التعيين دفعة قوية لدور القارة في المشهد العالمي، ويعكس أيضًا التزام جنوب أفريقيا بالمشاركة الفعالة في معالجة القضايا العالمية الكبرى.

 ولعل أبرز ملامح رئاسة جنوب أفريقيا لهذا المنتدى هو سعيها لتعزيز التعاون بين الاقتصادات النامية والدول المتقدمة، مع التركيز على تعزيز التنمية المستدامة، وتوفير حلول عملية لمشاكل مثل التفاوت الاجتماعي والفقر.

إن توجيه الضوء نحو أفريقيا في هذه المرحلة التاريخية يُعد بمثابة دعوة لتحفيز الشراكات الاقتصادية بين الدول الكبرى والدول النامية، خاصة مع ما تشهده القارة من تغييرات سريعة في البنية التحتية والاستثمارات الأجنبية. 

وفي هذا السياق، تأمل جنوب أفريقيا أن تكون قمة مجموعة العشرين فرصة لتحقيق موازنة بين قضايا التنمية والعدالة الاقتصادية.

الشخصيات البارزة في القمة

يشارك في قمة هذا العام عدد من القادة السياسيين البارزين من مختلف دول العالم. من بينهم رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ورئيس وزراء أستراليا أنتوني ألبانيز، ورئيس وزراء ماليزيا داتو سيري أنور إبراهيم. كما يُتوقع حضور كبار المسؤولين من الصين، المملكة المتحدة، فيتنام، وغيرها من الدول الكبرى. هذه المشاركة الرفيعة المستوى تشير إلى الأهمية التي يوليها المجتمع الدولي لهذه القمة، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والسياسية التي يواجهها العالم.

الإجراءات الأمنية

مع وصول القادة والمشاركين، شددت السلطات الجنوب أفريقية على الإجراءات الأمنية المكثفة في محيط مركز "ناسريك إكسبو" وداخل المدينة بشكل عام. حيث تم إغلاق بعض الطرق الحيوية في محيط المكان لضمان سلامة الوفود الزائرة وتأمين سير القمة. وتعاونت الشرطة مع الجهات الأمنية الأخرى لزيادة الانتشار في مناطق متعددة، خاصة في ظل المخاوف من أي محاولات للتخريب أو تهديدات أمنية.

وقد أكدت رئيسة الهيئة الوطنية للتنسيق العملياتي والاستخباراتي تيبيلو موسيكلي أن جميع الخطط الأمنية جاهزة، وأن هناك تعاونًا كاملاً مع الجمهور لضمان سلامة القمة. كما أُصدر تحذير بعدم المساس بالبنية التحتية الخاصة بالحدث، بما في ذلك الملصقات الترويجية الخاصة بالقمة، مشددة على أهمية الالتزام بالتعليمات والإرشادات الخاصة بحركة المرور.

تغطية إعلامية واسعة

في مركز "ناسريك إكسبو"، يمكن للصحفيين المحليين والدوليين متابعة فعاليات القمة لحظة بلحظة. وتعتبر هذه القمة واحدة من أبرز الأحداث العالمية التي تحظى بتغطية إعلامية واسعة من وسائل الإعلام الكبرى حول العالم. كما أن الانتشار الواسع للملصقات الدعائية الخاصة بالقمة في شوارع جوهانسبرج يعطي المدينة طابعًا دوليًا، إذ تزين صور قادة الدول المشاركين الشوارع والمرافق العامة، مما يخلق أجواء احتفالية ويعكس حجم الحدث.

إن قمة مجموعة العشرين في جوهانسبرج هي بمثابة نقطة تحول في مسيرة التعاون الدولي، حيث تلتقي مختلف القوى الاقتصادية والسياسية لتباحث قضايا تهم كل ركن من أركان العالم. وفي الوقت الذي تبذل فيه جنوب أفريقيا جهودًا مضاعفة لإدارة هذه القمة، تبقى التوقعات عالية بشأن قدرة القمة على تقديم حلول حقيقية للمشاكل الاقتصادية والسياسية التي تواجهها العديد من الدول. وبغض النظر عن الأجندة الرسمية، يظل الأمل في أن تتمكن هذه القمة من تقديم رؤية جديدة لمسار العالم في ظل التحديات المتزايدة.