مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

تونس.. غضب في قابس ودعوات لإعلانها منطقة منكوبة

نشر
الأمصار

تشهد ولاية قابس جنوب الجمهورية التونسية تصاعدًا غير مسبوق في الغضب الشعبي، وسط دعوات واسعة من منظمات المجتمع المدني لإعلان المدينة "منطقة منكوبة" بسبب الأزمة البيئية المتفاقمة الناتجة عن نشاط المجمع الكيميائي الحكومي. 

وتزامنت هذه المطالبات مع تحذيرات حقوقية وصحية من تداعيات كارثية على السكان، في وقت تبحث فيه السلطات التونسية خيارات لحل الأزمة المستمرة منذ عقود.

وكانت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان قد دعت رسميًا إلى إعلان منطقة قابس منكوبة، معتبرة أن الوضع البيئي والصحي تجاوز مرحلة الخطر، وهو ما أثار مخاوف من انهيار شامل للمنظومة الصحية والاجتماعية في الولاية. وجاءت هذه الدعوة في ظل تجدد الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإغلاق المجمع الكيميائي الذي تأسس منذ أكثر من خمسين عامًا لإنتاج الفوسفات، أحد أبرز الموارد الاقتصادية في تونس.

وخلال الأسابيع الماضية، شهدت قابس مظاهرات ضخمة وإضرابًا عامًا دعا إليه الاتحاد العام التونسي للشغل للمطالبة بإيقاف الوحدات الصناعية الملوثة التابعة للمجمع. ويؤكد الأهالي أن استمرار عمله أدى إلى انتشار أمراض خطيرة بين السكان، مثل هشاشة العظام، أمراض التنفس، والحالات السرطانية المرتبطة بانبعاثات الغازات السامة ومخلفات الفوسفوجيبس.

وقال الناشط البيئي هاني بن فرج، أحد قيادات حملة "أوقفوا التلوث في قابس"، إن المدينة تعتبر "منطقة منكوبة بالفعل" من وجهة نظر سكانها، مضيفًا: "منذ 53 عامًا وقابس تواجه وضعًا بيئيًا وصحيًا واقتصاديًا صعبًا. التلوث أصاب آلاف السكان بأمراض خطيرة، وعدد المتظاهرين وصل مؤخرًا إلى 130 ألفًا، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ تونس". وأكد أن العديد من الأهالي نُقلوا إلى المستشفيات نتيجة أمراض مزمنة مرتبطة مباشرة بالغازات المنبعثة من المجمع الكيميائي.

وأضاف بن فرج أن الرئيس التونسي قيس سعيّد وصف ما يحدث في قابس بأنه "جريمة دولة"، مشيرًا إلى أن السكان ينتظرون قرارات عملية تنهي معاناتهم وتحدّ من التلوث الذي يهدد حياتهم يوميًا.

من جانبها، تبحث الحكومة التونسية عدة خيارات للتعامل مع الأزمة، بينها الاستعانة بفريق خبراء دوليين لتفكيك وصيانة الوحدات الصناعية التي تمثل مصدر التلوث. ورغم صدور قرار حكومي في عام 2017 يقضي بتفكيك تلك الوحدات، إلا أنه لم يُنفذ حتى اليوم بسبب تعقيدات اقتصادية وإدارية.

ويؤكد المحلل السياسي التونسي محمد صالح العبيدي أن أزمة قابس تمثل "تحديًا معقدًا" للسلطات، موضحًا: "غلق المصنع يعني إحالة مئات العمال على البطالة، وهو ما يخلق أزمة اجتماعية جديدة. وفي المقابل، استمرار نشاطه يُفاقم الكارثة البيئية والصحية". وأضاف أن الحل يتطلب "موازنة دقيقة" بين الجانبين، مع اعتماد خطة عملية تنقذ البيئة دون الإضرار بالاقتصاد المحلي.

وتستمر الاحتجاجات في قابس، في حين تتزايد الضغوط على الحكومة لاتخاذ قرارات عاجلة تنهي عقودًا من التلوث وتعيد للمدينة حقها في بيئة سليمة وآمنة.