ليبيا تعود لواجهة الجدل بعد تسريبات عن تهجير فلسطينيين
عاد ملف تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى ليبيا ليتصدر الجدل مجدداً داخل الأوساط الليبية والعربية، وذلك عقب تسريبات جديدة نشرتها وسائل إعلام أميركية حول محادثات مزعومة بين رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية «الموساد» ديفيد برنياع، ومبعوث البيت الأبيض ستيف ويتكوف، بشأن مقترح نقل مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى دول من بينها ليبيا.
وبحسب ما نقلته التقارير الأميركية، فإن برنياع أبلغ الجانب الأميركي بأن إسرائيل تسعى للحصول على دعم واشنطن لإقناع دول محددة – من بينها ليبيا وإثيوبيا وإندونيسيا – بقبول أعداد كبيرة من الفلسطينيين الذين قد يتم إخراجهم من قطاع غزة.
كما أشارت التسريبات إلى أن هذه الدول أبدت «انفتاحاً مبدئياً» على دراسة المقترح، وفق ما جاء في تقرير نشره موقع «أكسيوس» الأميركي.
ورغم تكرار هذه التسريبات خلال الشهرين الماضيين، فإن السلطات الليبية، سواء في الغرب أو الشرق، تلتزم الصمت التام، بينما أكدت واشنطن في أكثر من مناسبة أن ما يطرح عن تهجير الفلسطينيين إلى ليبيا «غير دقيق».
غير أنّ الصمت الرسمي الليبي لم يمنع اندلاع موجة غضب على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ أعاد ناشطون ليبيون من بينهم محمد قشوط التذكير بحادثة اللقاء الذي جمع وزيرة الخارجية الليبية السابقة في حكومة الوحدة الوطنية نجلاء المنقوش بوزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين عام 2023 في روما، والذي فجّر حينها احتجاجات واسعة في طرابلس ومدن أخرى.
ويرى قشوط أن التسريبات الأميركية الأخيرة تشير إلى أن قنوات التواصل بين مسؤولين ليبيين وإسرائيليين «ما زالت مستمرة»، محذراً من أن التزام الصمت قد يقود إلى فرض «أمر واقع» على الليبيين في المستقبل.

وفي مقابل الشكوك الشعبية، يرى الباحث السياسي الليبي محمد محفوظ أن هذه التسريبات قد تكون مجرد «جس نبض» من جانب واشنطن أو تل أبيب لمعرفة ردود فعل الشارع الليبي، مؤكداً أن الليبيين يعدّون ملف التهجير «خطاً أحمر» لا يمكن القبول به مهما كانت الظروف السياسية.
أما الباحث الليبي المتخصص في الشأن السياسي عبد الحكيم فنوش، فيستبعد تماماً إمكانية تنفيذ أي خطة من هذا النوع داخل ليبيا، مبرراً ذلك بأن حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة «لا تملك السيطرة الكاملة على الجغرافيا الليبية»، إلى جانب غياب البنية التحتية اللازمة لاستقبال هذا العدد الهائل من النازحين.
ويعزز هذا الطرح الانقسام الحاد داخل ليبيا، حيث تتقاسم السلطة حكومتان: الأولى حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، والثانية حكومة «الاستقرار» المدعومة من البرلمان والجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر في شرق البلاد. ويرى محللون أن هذا الانقسام يجعل تمرير مشروع حساس مثل توطين فلسطينيين أمراً بالغ الصعوبة.
على الصعيد الإقليمي، يبرز الرفض المصري القاطع لأي مخطط للتهجير خارج غزة باعتباره أحد أهم العوامل التي تعرقل مثل هذه الأفكار، حيث شددت القاهرة مراراً على رفضها إسكان الفلسطينيين خارج أراضيهم، معتبرة ذلك استهدافاً مباشراً للقضية الفلسطينية.
وتأتي هذه الجولات من التسريبات في ظل تقارير سابقة تحدثت عن مفاوضات بين إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومسؤولين ليبيين تتعلق بالإفراج عن أصول مالية ليبية مجمّدة لدى واشنطن مقابل توطين فلسطينيين، وهي تقارير نفتها كل من السفارة الأميركية في ليبيا ووزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ.
ورغم تضارب الروايات، فإن استمرار التسريبات الأميركية والإسرائيلية يعيد إلى الواجهة مخاوف الليبيين من استغلال حالة الانقسام الداخلي للضغط على طرابلس أو بنغازي لتمرير ترتيبات مرتبطة بملف بالغ الحساسية، في وقت تتزايد فيه المطالب الليبية بضرورة الشفافية وإعلان موقف رسمي واضح بشأن هذه الاتهامات المتكررة.