مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

أمريكا تُودع أطول إغلاق حكومي في تاريخها بعد قرار الكونجرس

نشر
الكونجرس الأمريكي
الكونجرس الأمريكي

أنهى الكونغرس الأمريكي مساء الأربعاء، واحدة من أكثر الأزمات الحكومية تعقيدًا في تاريخ الولايات المتحدة، بعد أن صوّت مجلس النواب الأمريكي لصالح تمرير حزمة تمويلية عاجلة تنهي أطول إغلاق حكومي تشهده البلاد على الإطلاق، والذي استمر أكثر من سبعة أسابيع متتالية منذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وبتصويت نهائي بلغت نتيجته 222 صوتًا مقابل 209، أقرّ المجلس مشروع القانون المقدم من مجلس الشيوخ، ليُمهّد الطريق أمام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتوقيع عليه رسميًا خلال الساعات اللاحقة، وهو ما أعاد عمل المؤسسات الفيدرالية المتوقفة إلى طبيعتها بعد أسابيع من الشلل الإداري والاقتصادي غير المسبوق.

انقسام حزبي داخل الكونغرس

شهدت جلسة التصويت انقسامًا حزبيًا واضحًا بين الجمهوريين والديمقراطيين حول بنود الحزمة التمويلية، حيث أبدى العديد من النواب اعتراضهم على آلية تمويل الحكومة وتوزيع الموارد.
وصوّت جمهوريان فقط — هما توماس ماسي من ولاية كنتاكي وغريغ ستويب من ولاية فلوريدا — ضد موقف حزبهم، لينضما إلى صفوف الديمقراطيين الرافضين لمشروع القانون.

في المقابل، أيّد ستة نواب ديمقراطيين الحزمة، من بينهم جاريد غولدن عن ولاية مين، وتوم سوازّي عن ولاية نيويورك، وهنري كويلار عن ولاية تكساس، ما ساعد في تمرير القانون بعد أسابيع من المفاوضات المتوترة.

ويأتي هذا التصويت بعد مشهد سياسي مشحون عاشته واشنطن منذ بداية الإغلاق، إذ تبادلت الكتلتان الرئيسيتان الاتهامات بالمسؤولية عن تعطيل الحكومة، في ظل فشل الجانبين في التوصل إلى اتفاق مبكر بشأن تمويل الرعاية الصحية والبرامج الاجتماعية.

تفاصيل الحزمة التمويلية الجديدة

تتضمن الحزمة التي أقرها الكونغرس الأمريكي عدة بنود أساسية تهدف إلى استعادة عمل الحكومة الفيدرالية تدريجيًا وضمان استقرار الخدمات العامة. وتشمل:

تمويل الحكومة الفيدرالية حتى 30 يناير/كانون الثاني المقبل، بما يسمح بإعادة فتح المؤسسات والإدارات الرسمية.

إلغاء قرارات التسريح الفيدرالية التي صدرت عقب توقف التمويل في 1 أكتوبر/تشرين الأول.

تخصيص تمويل إضافي للوكالات الحكومية الحيوية، خصوصًا تلك المرتبطة بقطاعات الأمن والنقل والصحة والتعليم.

إلزام الحزب الجمهوري بعقد تصويت لاحق حول تمديد الدعم المقدم في إطار قانون الرعاية الصحية المعروف باسم “أوباماكير”، وهو البند الأكثر جدلاً بين الحزبين.

وبحسب مراقبين، فإن هذا الاتفاق يُعدّ تسوية سياسية اضطرارية أكثر من كونه حلًا نهائيًا، إذ لا يزال الخلاف قائمًا حول المخصصات المالية لبعض البرامج الاجتماعية التي يعتبرها الديمقراطيون ضرورية لدعم الطبقة المتوسطة والفئات الفقيرة.

رفض ديمقراطي ثم انقسام داخلي

كانت قيادة الحزب الديمقراطي قد رفضت مشروع القانون في مراحله الأولى بسبب غياب أي بنود تضمن استمرار تمويل برامج الرعاية الصحية التي تم تقليصها في النسخ السابقة من الميزانية.

وقالت كاثرين كلارك، مساعدة زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب، في مذكرة رسمية:

الحزمة التي تفاوض عليها مجلس الشيوخ لا تقدم أي حلول حقيقية لأزمة الرعاية الصحية التي تسببت فيها قرارات الجمهوريين.

لكن مع تصاعد الغضب الشعبي واستمرار توقف رواتب مئات الآلاف من الموظفين الفيدراليين، انشق ثمانية من أعضاء الحزب الديمقراطي في مجلس الشيوخ عن موقف حزبهم، ودعموا المشروع للوصول إلى اتفاق يضع حدًا للأزمة.

وأوضحت مصادر في الكونغرس أن هذا الانشقاق جاء نتيجة ضغوط كبيرة من الرأي العام ومن قطاعات الأعمال المتضررة من الإغلاق، الذي تسبب في شلل واسع للحياة الاقتصادية والإدارية في مختلف الولايات الأمريكية.

آثار الإغلاق الأطول في تاريخ أمريكا

استمر الإغلاق الحكومي هذه المرة 43 يومًا متتالية، وهو الرقم الأطول في تاريخ الولايات المتحدة، متجاوزًا الإغلاق الذي حدث عام 2019 واستمر 35 يومًا في عهد الرئيس ذاته، دونالد ترامب.

وتسبب الإغلاق في تعطيل المساعدات الغذائية المقدمة لنحو 15 مليون مواطن أمريكي يعتمدون على برامج الدعم الفيدرالي، كما أدى إلى تأخر صرف رواتب أكثر من 800 ألف موظف حكومي، بينهم عناصر من الشرطة والجيش ومراقبو الطيران وموظفو المطارات.

كما أُغلقت خلال الأزمة عشرات المتاحف الوطنية والحدائق العامة في مختلف الولايات، إضافة إلى تعليق العديد من الرحلات الجوية الداخلية بسبب نقص الموظفين، ما أثر بشكل مباشر على القطاع السياحي الأمريكي.

وبحسب تقارير اقتصادية صادرة عن مكتب الموازنة في الكونغرس، بلغت الخسائر الاقتصادية الناتجة عن الإغلاق نحو 15 مليار دولار، بينها خسائر مباشرة في قطاعات النقل والخدمات العامة، فضلًا عن تراجع ثقة المستثمرين في استقرار الاقتصاد الأمريكي خلال تلك الفترة.

ترامب يوقّع على إنهاء الإغلاق

عقب تمرير مشروع القانون في الكونغرس، أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقّع على مشروع القانون رسميًا، ليعلن بذلك نهاية الإغلاق وإعادة فتح أبواب المؤسسات الحكومية.

وقال ترامب، خلال مراسم التوقيع في المكتب البيضاوي وسط تصفيق عدد من النواب الجمهوريين:

اليوم نرسل رسالة واضحة مفادها أننا لن نستسلم أبدًا للابتزاز السياسي، وسنواصل العمل من أجل الشعب الأمريكي.

 

وأكد الرئيس الأمريكي أن إدارته ستعمل على إصلاح شامل لنظام التمويل الفيدرالي لتجنب تكرار مثل هذه الأزمات في المستقبل، مشيرًا إلى أن الإغلاق تسبب في معاناة غير ضرورية للموظفين والمواطنين على حد سواء.

وأضاف ترامب أن الخطوة المقبلة ستكون العمل على تمرير ميزانية دائمة تضمن تمويل الرعاية الصحية والأمن والاقتصاد دون توقفات مستقبلية.

تداعيات سياسية واقتصادية

يرى محللون سياسيون في واشنطن أن انتهاء الإغلاق لا يعني انتهاء الأزمة السياسية بين الجمهوريين والديمقراطيين، بل يشير إلى هدنة مؤقتة فرضها الضغط الشعبي والاقتصادي.

وقال ريتشارد هاس، الباحث في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، إن “الأزمة كشفت هشاشة النظام السياسي الأمريكي عندما تتغلب المصالح الحزبية على الصالح العام.”

وأضاف أن الإغلاق الأخير شكّل “جرس إنذار” لكل من الحزبين بضرورة إعادة النظر في أسلوب إدارة الخلافات داخل الكونغرس، خصوصًا في ظل اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2026، التي من المتوقع أن تشهد منافسة شرسة بين الطرفين.

من جانب آخر، رحبت الأسواق الأمريكية بقرار إعادة فتح الحكومة، حيث ارتفع مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة 1.2% في التعاملات الصباحية يوم الخميس، كما صعد مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 0.9% بعد إعلان ترامب توقيع القانون.

مع توقيع الرئيس ترامب على القانون الجديد، تنتهي رسميًا أطول فترة إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة، في حدث يُتوقع أن يبقى علامة فارقة في التاريخ السياسي الأمريكي الحديث.

ورغم أن هذا الاتفاق أعاد المؤسسات الفيدرالية إلى العمل وأنهى معاناة مئات الآلاف من الموظفين، إلا أنه كشف في الوقت ذاته عن عمق الانقسام الحزبي داخل الكونغرس، والتحديات التي تواجه أكبر ديمقراطية في العالم في إدارة شؤونها الداخلية.

وبينما تنفس الأمريكيون الصعداء بعد 43 يومًا من الشلل الحكومي، تبقى الأسئلة الكبرى معلقة حول مدى قدرة النظام السياسي في واشنطن على تجنب أزمات مماثلة في المستقبل، خاصة مع بقاء الملفات الخلافية الجوهرية دون حلول نهائية.