مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

حرب الكابلات البحرية تستخدمه صنعاء كـ"حقاً دفاعياً وسيادياً"

نشر
الأمصار

ما زال التوتو الإقليمي قائمًا، بسبب ملف الكابلات البحرية، وما زال القلق الدولي قائمًا بسبب سلسلة الحوادث الخاصة بتعطل كابلات الإنترنت التي تربط القارتين الآسيوية والأوروبية، وعدم استقرار البنية التحتية الرقمية الحيوية، مما يهدد الاقتصاد العالمي بشكل مباشر… 

ومؤخرا، أصبح الصراع السياسي والعسكري بسبب هذه الأزمة هوالذي يطفو على الساحة الأقليمية، ففي أغسطس الماضي، أعلنت صنعاء أن معالجة المسألة التقنية لا يمكن أن تُفصل عن الاعتداءات التي استهدفت قادتها ومواقعها، ولا يمكن الحديث عن إصلاح أو صيانة تحت إشراف خارجي في ظل استمرار الضربات الجوية التي نفذها كيان الاحتلال ضد قيادات يمنية. 

فقد عملت وساطات عُمانية على فتح قنوات تفاوض لإصلاح الكابلات تحت إشراف فني مشترك، قبل أن تؤدي الغارات إلى انهيار الثقة وتعليق صنعاء مشاركتها في أي مباحثات. بالنسبة لصنعاء والقوات المسلحة اليمنية، لا يمكن القبول بمسارات فنية في بيئة ما زالت تهدد السيادة الوطنية، بمختلف الطرق.

وترى صنعاء أنها تمتلك "حقاً دفاعياً وسيادياً" في التعامل مع البنية التحتية داخل نطاقها الإقليمي. فهي ترى أن أي تفاوض لا يراعي هذا البعد السيادي يصبح أداة نفوذ أو اختراق أمني أكثر منه مساراً تقنياً. بالمقابل، تُعبّر الدول الغربية وشركات الاتصالات الدولية عن مخاوفها من اتساع نطاق الاضطراب في حركة الإنترنت العالمية، خاصةً أن أكثر من 17% من الاتصالات الرقمية العابرة للقارات تمر عبر البحر الأحمر. من هنا نشأ تضارب في أولويات الأطراف: بين سيادة اليمن على مياهها وأمنها، وبين حرص القوى الكبرى على استقرار الشبكات التي تخدم مصالحها الاقتصادية والتجارية.

البيانات الصادرة عن صنعاء تعكس تصوراً واضحاً لطبيعة هذا التناقض. فهي تعتبر أن الاهتمام الدولي المفاجئ بالكابلات يكشف ازدواجية في المعايير، إذ تُستنفَر الطاقات لحماية مصالح رقمية غربية، بينما تُتجاهل الخروقات العسكرية والإنسانية التي يتعرض لها اليمنيون والفلسطينيون على حد سواء. ومن هذا المنظور، ترى صنعاء أن استخدام ملفات حساسة كالكابلات البحرية أو الملاحة في البحر الأحمر ليس تهديداً للبنية العالمية، بل أداة ضغط متكافئة في مواجهة العدوان والحصار. فحين تكون القنوات القانونية والسياسية مغلقة، تصبح أوراق الردع غير التقليدية وسيلة لإعادة التوازن في ميدان الصراع.

وبهذه القناعات تحاول صنعاء فرض معادلة جديدة تعتبر أن التحكم في الفضاء الرقمي والبنية البحرية جزء من أدوات الردع الاستراتيجية، لا مجرّد خدمة عالمية محايدة. 

وفي المقابل، يسعى المجتمع الدولي إلى الحفاظ على استقرار النظام الاتصالي العالمي دون الانخراط في نزاعات محلية يرى أنها تعيق المصالح الكبرى.

ما هي الكابلات البحرية؟

الكابلات البحرية هي كابلات اتصالات تقع في قاع البحار والمحيطات، وهي جزء من شبكة عالمية تحمل الاتصالات عن بُعد بين الدول٬ حيث يوجد اليوم أكثر من 550 كابلاً تحت الماء تعبر ما يقرب من (1.4 مليون كيلو متر) من قاع المحيط.

وكان أول كابل اتصالات بحري صُمم لنقل حركة التلغراف في منتصف القرن التاسع عشر، ثم تبعته أجيال من الكابلات لنقل حركة التليفون ثم لنقل حركة المعلومات. وحالياً، كل الكابلات الحديثة تستخدم تقنية الألياف البصرية لتحمل البيانات الرقمية ونقل الاتصالات والإنترنت والمعلومات الخاصة للدول والجيوش.

وبدءاً من عام 2003 ربطت الكابلات البحرية كل العالم ببعضه البعض ما عدا القطب الجنوبي. وتعتبر الكوابل البحرية أحد أهم الإنجازات التي تحققت في مجال نقل وتبادل البيانات والمعطيات الرقمية حول العالم، حيث يتم نقل 99٪ من حركة البيانات التي تعبر المحيطات عن طريق الكابلات البحرية.

الكابلات البحرية في البحر الأحمر

توصف كابلات الألياف الضوئية البحرية بأنها "نفط القرن الحادي والعشرين"، وذلك نظراً لسرعة تدفق البيانات فيها، وتمتعها بدرجة عالية من الأمن والسرية والموثوقية، والدقة العالية في نقل الإشارات، وقلة تكاليفها بالمقارنة مع الأقمار الصناعية وغيرها من الوسائل، خاصة أنه يتوفر فيها مسارات متعددة في حالة انقطاع الكابل.

لماذا تعتبر الكابلات البحرية جزءاً أساسياً في البنية التحتية للدول؟

تبلغ القدرة الاستيعابية الإجمالية للكابلات البحرية تيرابت في الثانية، بينما تقدم الأقمار الصناعية عادة 1000 ميغابت في الثانية وتعرض زمن انتقال أعلى. ومع ذلك، فإن نظام الكابلات البحرية النموذجية متعدد تيرابايت وعبر المحيطات، يكلف مئات ملايين الدولارات.

نتيجة لتكلفة هذه الكابلات وفائدتها، فإنها تحظى بتقدير كبير ليس فقط من قبل الشركات التي تبنيها وتشغلها من أجل الربح، ولكن أيضاً من قِبل الدول والجيوش والاستخبارات، وتعتبر جزءاً أساسياً في البنية التحتية للدول، وجزءاً حيوياً لاقتصاداتها.

في الولايات المتحدة الأمريكية، تعتبر الكابلات البحرية مهمة بشكل كبير للجيش الأمريكي، حيث يستخدم شبكة كابل بحري لنقل البيانات من مناطق النزاع إلى هيئة القيادة في الولايات المتحدة، وقد يكون لانقطاع شبكة الكابلات أثناء العمليات المكثفة عواقب مباشرة على الجيش على الأرض.

وتتمثل إحدى المزايا الكبيرة التي تحتفظ بها الولايات المتحدة هو الدور الرئيسي الذي لعبه العلماء والمهندسون والشركات الأمريكية في اختراع وبناء أجزاء كبيرة من الكابلات البحرية؛ حيث تميل خطوط البيانات الرئيسية إلى المرور عبر الحدود الأمريكية والمياه الإقليمية لها، مما يجعل التجسس على الاتصالات سهلاً نسبياً.