مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

أنفاق رفح.. ضوء أخضر أمريكي يحرّك القرار الإسرائيلي وسط مأزق حماس

نشر
الأمصار

تعيش مدينة رفح على الحدود بين غزة ومصر لحظاتٍ من الترقب المشوب بالتوتر، مع تصاعد النقاشات الدبلوماسية والعسكرية حول مصير نحو 200 عنصر من حركة حماس يتحصنون داخل شبكة أنفاق معقدة تحت الأرض. هذه القضية الحساسة باتت تمثل محوراً لمشاورات مكثفة بين تل أبيب وواشنطن، وسط أنباء عن استعداد إسرائيل لإعطاء “ضوء أخضر” للخيار الأمريكي في التعامل مع الملف.

ففي تطور لافت، عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اجتماعاً مطولاً في القدس الغربية مع جاريد كوشنر المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط، حيث تصدّر ملف مسلحي الأنفاق جدول الأعمال، إلى جانب مناقشة الترتيبات الأمنية المستقبلية في قطاع غزة في ضوء ما يُعرف بـ"خطة ترامب للسلام".

وقال مصدر مطلع إن الجانبين بحثا تفاصيل “قوة الاستقرار الدولية” المقترح نشرها في القطاع، وآليات نزع سلاح حماس، وضمان عدم عودة الحركة إلى الحكم، وهو ما يعكس تحركاً أمريكياً نشطاً نحو إعادة تشكيل المشهد الأمني والسياسي في غزة بعد الحرب.

ضبابية إسرائيلية وحذر أمريكي

وبحسب دبلوماسيين غربيين، فإن إسرائيل تتعامل بحذر بالغ مع المقترحات الأمريكية المتعلقة بإتاحة ممر آمن للمسلحين، سواء داخل القطاع أو باتجاه الحدود المصرية، خشية أن يُنظر إلى الخطوة باعتبارها تهاوناً أمنياً أو تنازلاً سياسياً.

ومن جانبها، أبدت حماس تمسكها بعدم استسلام مقاتليها، لكنها في الوقت ذاته أبدت رغبة في تجنب أي تصعيد قد يهدد اتفاق وقف إطلاق النار القائم بوساطة دولية. وأوضح أحد مسؤولي الحركة أن “المفاوضات حول الممرات الآمنة لا تزال جارية، مع الحرص على منع إسرائيل من استغلال الموقف لإفشال الهدنة”.

وتشير مصادر فلسطينية إلى أن الوسطاء العرب والدوليين كثفوا جهودهم خلال الأيام الأخيرة لتفادي عملية عسكرية محتملة داخل الأنفاق، قد تؤدي إلى انهيار كامل للهدنة.

الملف المعقد.. ما وراء الأزمة؟

ويرى محللون أن ملف مسلحي الأنفاق يتجاوز مجرد أزمة أمنية، ليشكل اختباراً حقيقياً للعلاقة بين واشنطن وتل أبيب، وللقدرة على صياغة تسوية متكاملة تشمل وقفاً دائماً لإطلاق النار، وهيئة حكم انتقالية في غزة لا تضم حماس.

هذه التسوية، التي يُفترض أن تمهد لتشكيل قوة دولية تحت إشراف الأمم المتحدة، تواجه عقبات معقدة؛ إذ تتحفظ إسرائيل على أي وجود عسكري أجنبي في القطاع، بينما ترفض حماس أي صيغة تتضمن نزع سلاحها الكامل أو إخراجها من المشهد السياسي.

الضغط الأمريكي يتصاعد

في مؤتمر صحفي بالقدس، قالت شوش بيدروسيان، المتحدثة باسم الحكومة الإسرائيلية، إن "أي قرار بخصوص المسلحين المحاصرين في أنفاق رفح سيتم اتخاذه بالتنسيق الكامل مع إدارة ترامب"، في إشارة إلى استمرار التنسيق الاستراتيجي بين الطرفين.

وأوضحت أن كوشنر ونتنياهو ناقشا "خطوات نزع سلاح غزة بشكل كامل"، ما يعني أن الولايات المتحدة تميل نحو تسوية مشروطة بالعفو مقابل التخلي عن السلاح.

صحيفة يديعوت أحرونوت كشفت من جانبها عن أن المسؤولين الأمريكيين “يمارسون ضغوطاً حثيثة على إسرائيل” للسماح بخروج المقاتلين من الأنفاق عبر ممر تفاوضي، بدلاً من القضاء عليهم عسكرياً.

وتتضمن الخطة الأمريكية المقترحة خمس مراحل:

إعادة جثمان الجندي الإسرائيلي هدار غولدين إلى إسرائيل (وتم ذلك بالفعل).

استسلام المسلحين داخل الأنفاق.

تسليم أسلحتهم لطرف ثالث تحت إشراف دولي.

منح عفو جزئي للمستسلمين.

نقلهم إلى مناطق أخرى داخل غزة أو إلى دولة ثالثة، يليها تدمير الأنفاق بالكامل.

ونقلت جيروزاليم بوست عن مسؤولين إسرائيليين أن الضغط الأمريكي قد يدفع تل أبيب إلى إبداء مرونة غير معتادة، رغم المواقف العلنية المتشددة. وأوضح أحدهم أن “الجميع يصرح بعدم السماح للمسلحين بالخروج، لكن خلف الكواليس، هناك إدراك بأن الضغوط الأمريكية قد تجعل من الصعب تنفيذ الخيار العسكري”.

ويرى المراقبون أن الولايات المتحدة تسعى لتفادي عملية عسكرية قد تجر المنطقة إلى تصعيد جديد، بينما تركز على تثبيت الهدنة والتحضير لمرحلة "اليوم التالي" في غزة.

في المقابل، تخشى إسرائيل من أن تتحول أي تسوية إلى سابقة خطيرة تشجع الجماعات المسلحة الأخرى على التحصن أو المساومة.

المعادلة الفلسطينية.. خلاف داخلي

وفي الوقت الذي تسعى فيه واشنطن وتل أبيب لحسم ملف الأنفاق، اشتعل الجدل الفلسطيني الداخلي، بعد أن اتهمت حركة فتح، حماس بتقديم "هدايا مجانية لإسرائيل" من خلال مقترحات لإدارة غزة بعيداً عن السلطة الفلسطينية.

وقال جمال نزال، المتحدث باسم حركة فتح، إن “الأفكار التي طرحتها حماس تشكل خروجاً على الإجماع العربي والإسلامي، وتخدم خطة إسرائيل لفصل غزة عن الضفة الغربية”.

وأضاف أن “اقتراح حماس بتشكيل لجنة لإدارة غزة بمعزل عن الحكومة الفلسطينية يُعد تكريساً للانقسام وتهديداً لوحدة الموقف الوطني”.

ويؤكد مراقبون أن قضية الأنفاق برفح لم تعد مجرد ملف أمني، بل تحولت إلى نقطة مفصلية في مستقبل غزة والمنطقة. فالخلاف حول مصير المسلحين يعكس تبايناً أوسع بين الرؤى الأمريكية والإسرائيلية من جهة، والفلسطينية والعربية من جهة أخرى، بشأن شكل المرحلة المقبلة في القطاع.

وفي ظل هذا التشابك، يبقى السؤال الأبرز، هل تمضي واشنطن وتل أبيب في خيار “العفو مقابل السلاح”، أم يعود المشهد إلى دوامة العمليات العسكرية؟

الإجابة، كما يرى الخبراء، ستتحدد في الأيام المقبلة، في ضوء نتائج المباحثات الأمريكية - الإسرائيلية، ومدى استعداد الأطراف كافة لتقديم تنازلات تحفظ الهدنة وتفتح الباب أمام تسوية أكثر شمولاً لأزمة غزة.