مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

ممدوح المهيني يكتب: الإيرانيون «جائعون»!

نشر
ممدوح المهيني
ممدوح المهيني

هذا ما قاله الرئيس الإيراني مسعود بزشيكان في ندوة تحدث فيها مؤخراً، منتقداً الأوضاع الاقتصادية في بلاده. قال الرئيس بوضوح إن أوضاع دول مثل تركيا واليابان وكوريا «أفضل من إيران، رغم أنها لا تملك النفط»، وأضاف بمرارة: «لدينا النفط والغاز ونملك الموارد... ومع ذلك نحن جائعون».

حديث الرئيس صادق. فـ«الجوع الإيراني» لا يعود إلى نقص في العقول الماهرة، ولا إلى فقر في الموارد الطبيعية، ولا إلى غياب الإرث الحضاري أو ضعف الطموح الاجتماعي.

الإيرانيون شعب موهوب وصبور، يتميز بالصدق والنزاهة، ويُعرف بمهارته في التجارة والمال والإدارة.

لكن إن كانت هذه المزايا كلها متوفرة، فلماذا يشتكي الرئيس من الجوع؟ الجواب بسيط: لأن الآيديولوجيا هي التي تقتل التنمية وتبدد الثروة.

طريقة إدارة الدولة هي التي تحدد مصير الشعوب. وهذا ما تكشفه تجربة الصين بوضوح. فقد كانت الصين في عهد ماو تسي تونغ دولة فقيرة رغم امتلاكها كل مقومات القوة. الآيديولوجيا الشيوعية والشعارات العمالية قتلت روح المبادرة وأخّرت التنمية.

لكن قبل أربعة عقود، قال الزعيم الإصلاحي دنغ شياو بينغ تقريباً ما قاله اليوم الرئيس الإيراني: اشتكى من الجوع رغم وفرة الإمكانات. ثم غيّر المسار بشكل حاسم؛ احتفظ بالصورة الرمزية لماو، لكنه ألغى آيديولوجيته. أبقى الشيوعية شعاراً، ورفع التنمية إلى مرتبة العقيدة. نُقشت شعارات ماو على الجبال، لكنها محيت من العقول. انفتحت الصين على السوق وتحوّلت إلى ثاني أقوى اقتصاد في العالم.

أما إيران، فقد جربت الآيديولوجيا لأكثر من أربعين عاماً، وكانت النتيجة عقوبات، وحروباً، واقتصاداً متهالكاً، ومجتمعاً يعاني الفقر والبطالة. والحرب الأخيرة مع إسرائيل قد تكون بمثابة الصدمة المؤلمة، ولكن الدافع لليقظة من الغيبوبة الآيديولوجية الطويلة متاح.

الحل الوحيد أمامها هو الحل الصيني: الحفاظ على الهوية، واعتناق آيديولوجيا التنمية بدلاً من آيديولوجيا الثورة، والانخراط في منافسة حضارية مع العالم بدلاً من معارك وصراعات آيديولوجية معه.

فالآيديولوجيات عدوة للازدهار. جربها العرب في الآيديولوجيات القومية والإسلاموية المتشددة، فكانت النتيجة فشلاً ذريعاً؛ دُمّرت الاقتصادات، وتشرذمت الدول، وانتشرت الميليشيات، وعمّ الفقر واليأس.

في المقابل، تمثل التجربة الخليجية نموذجاً قريباً وملهماً. فجيران إيران الذين يملكون الثروات ذاتها اختاروا طريق التنمية والانفتاح وهجروا الآيديولوجيات، فحوّلوا النفط إلى استثمارات، والعائدات إلى مدن حديثة، والمجتمعات إلى اقتصادات مزدهرة. الفرق ليس في الجغرافيا ولا وفرة الموارد والعقول، بل في الفكر الذي يدير الدولة.

نقلًا عن صحيفة الشرق الأوسط