الموساد يكشف «عقل الظل» في الحرس الثوري وراء مخطط استهداف إسرائيلي.. تفاصيل
في تطور أمني جديد يعكس تصاعد التوتر بين طهران وتل أبيب، كشف جهاز الاستخبارات الإسرائيلي «الموساد» عن هوية من وصفه بـ«عقل الظل» داخل الحرس الثوري الإيراني، والمسؤول عن سلسلة من المخططات لاستهداف مصالح إسرائيلية ويهودية حول العالم خلال العامين الماضيين.
وقال جهاز «الموساد» في بيان رسمي أطلعت عليه وسائل إعلام عبرية ودولية، إن «ساردار عمار»، القائد البارز في الحرس الثوري الإيراني، يقف وراء ما وصفه الجهاز بـ«آلية عملياتية سرية» داخل فيلق القدس، مهمتها التخطيط لعمليات إرهابية ضد أهداف إسرائيلية في الخارج.
وأوضح البيان أن ساردار عمار يقود شبكة مكونة من آلاف العناصر ضمن هيكلية فيلق القدس التابع للحرس الثوري، وهو الذراع الخارجي المسؤول عن العمليات الإيرانية خارج الحدود.
ويعمل عمار، بحسب «الموساد»، مباشرة تحت إمرة الجنرال إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس الذي تولى المنصب خلفًا لقاسم سليماني الذي قُتل في غارة أمريكية ببغداد عام 2020.
وأشار البيان إلى أن التحقيقات الإسرائيلية التي جرت خلال الأشهر الماضية بالتعاون مع أجهزة استخبارات غربية، أفضت إلى كشف خيوط شبكة معقدة كانت تستهدف مصالح إسرائيلية في دول مثل أستراليا واليونان وألمانيا، مؤكداً أن «الموساد» تمكن، عبر تنسيق استخباراتي مع تلك الدول، من إحباط عدة محاولات هجوم وصَفها بـ«الكبرى».
وقال الجهاز الإسرائيلي إن إيران، ومنذ أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، التي شهدت اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة «حماس» في قطاع غزة، وسّعت بشكل لافت نشاطها الخارجي لاستهداف المصالح الإسرائيلية واليهودية حول العالم، معتبرًا أن تلك التحركات تأتي ضمن استراتيجية انتقامية تهدف إلى الضغط على إسرائيل في الساحة الدولية دون خوض مواجهة مباشرة.
عمليات أُحبطت في ثلاث دول
وذكر «الموساد» أن محاولات تنفيذ هجمات في اليونان وأستراليا وألمانيا خلال عامي 2024 و2025 كانت جزءًا من شبكة واحدة يديرها ساردار عمار عبر وكلاء محليين ومجموعات تابعة لإيران. وأشار البيان إلى أن تلك العمليات كانت تستهدف مؤسسات دبلوماسية، وشخصيات يهودية بارزة، ومراكز دينية وثقافية تابعة للجاليات اليهودية.
وبحسب البيان، فإن «الموساد» تمكن من تقديم معلومات استخباراتية دقيقة للأجهزة الأمنية في تلك الدول، مما أدى إلى إحباط المخططات قبل تنفيذها واعتقال عدد من المتورطين.
وأضاف أن هذه النجاحات الأمنية «أنقذت أرواحًا عديدة»، على حد تعبيره، وساهمت في تعزيز التعاون الأمني بين إسرائيل وعدة دول غربية لمواجهة ما وصفه بـ«الإرهاب الإيراني العابر للحدود».
وأوضح البيان أن إخفاقات تلك الشبكات دفعت السلطات في أستراليا وألمانيا إلى اتخاذ «إجراءات دبلوماسية صارمة» ضد طهران، تضمنت طرد السفير الإيراني من كانبرا وإعلانه شخصًا غير مرغوب فيه، إلى جانب استدعاء السفير الإيراني في برلين لتوبيخه بشأن تورط عناصر تابعة للحرس الثوري في أنشطة غير قانونية على الأراضي الألمانية.
وأكد «الموساد» أن تلك الخطوات الدبلوماسية غير المسبوقة تمثل «رسالة حازمة من المجتمع الدولي بعدم التسامح مع الأنشطة الإرهابية الإيرانية»، وأنها جاءت بعد أشهر من الرصد والمتابعة المشتركة بين الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ونظيراتها في الدول الثلاث.
الآلية السرية داخل الحرس الثوري
ووفقًا للبيان الإسرائيلي، فإن «آلية ساردار عمار» تعمل كجهاز موازٍ داخل الحرس الثوري، مكلف بتنسيق العمليات الخارجية تحت غطاء مدني أو دبلوماسي. وتشمل مهامه، بحسب الموساد، تجنيد عناصر في الخارج، وتوفير تمويل عبر شركات واجهة، بالإضافة إلى إدارة حملات تضليل إعلامية تهدف إلى التغطية على أنشطة طهران العدائية.
وأشار البيان إلى أن هذه الآلية تضم نحو 11 ألف عنصر موزعين بين وحدات استخباراتية وعملياتية داخل فيلق القدس، وتعمل على تطوير أدوات جديدة للتخفي واستخدام شبكات التهريب والاتصالات المشفرة. وأضاف أن الموساد تمكن من «اختراق بعض حلقات الاتصال» داخل تلك الشبكة، مما ساعد على كشف هياكلها التنظيمية وخططها الميدانية.
وقال البيان: «لقد دفعت إيران ثمنًا باهظًا على الساحة الدبلوماسية نتيجة تورطها في الإرهاب الدولي، إذ باتت سياساتها الهجومية موضع إدانة متزايدة من جانب الدول الأوروبية والآسيوية».
تصعيد في الحرب الاستخباراتية
ويرى مراقبون أن إعلان الموساد عن هوية ساردار عمار يأتي في إطار حرب استخباراتية مفتوحة بين إسرائيل وإيران، تتجاوز حدود الشرق الأوسط إلى الساحات الدولية.

ويقول محللون إسرائيليون إن هذا الكشف العلني غير المعتاد من الموساد يعكس رغبة تل أبيب في فضح طهران أمام المجتمع الدولي وتقييد حركتها في الخارج. واعتبروا أن الإعلان يهدف أيضًا إلى ردع إيران ووكلائها عبر إظهار حجم الاختراق الإسرائيلي داخل منظومتها الأمنية.
من جانبه، لم يصدر تعليق رسمي فوري من طهران على الاتهامات الإسرائيلية، غير أن إيران دأبت على نفي أي علاقة لها بمحاولات استهداف مصالح إسرائيلية خارج حدودها، معتبرة أن تل أبيب تستخدم هذه الاتهامات لتبرير عملياتها الأمنية ضد الحرس الثوري في المنطقة.
ويشير مراقبون إلى أن هذا التصعيد الاستخباراتي يأتي في وقت حساس تشهد فيه المنطقة توترًا غير مسبوق، مع استمرار الحرب في غزة، وارتفاع منسوب المواجهة غير المباشرة بين إيران وإسرائيل عبر جبهات لبنان واليمن وسوريا والعراق.
ردود دولية وإجراءات محتملة
وبحسب مصادر دبلوماسية غربية، فإن حكومات أستراليا وألمانيا تدرس فرض عقوبات إضافية على مسؤولين في الحرس الثوري، بينهم ساردار عمار، ضمن إطار أوسع لتقييد النشاط الإيراني في أوروبا وآسيا. كما أشارت تقارير إعلامية ألمانية إلى أن برلين تراجع إجراءات منح التأشيرات للطلاب والدبلوماسيين الإيرانيين بعد الكشف عن محاولات التجسس الأخيرة.
وفي المقابل، دعت الخارجية الإيرانية، عبر تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الإيرانية «إرنا»، إلى «عدم الانجرار وراء الدعاية الإسرائيلية التي تهدف لتشويه صورة إيران وإثارة التوتر في المنطقة». وأكدت أن طهران «تلتزم بالقانون الدولي وتدين الإرهاب بجميع أشكاله».
إلا أن مسؤولين في وزارة الخارجية الإسرائيلية أكدوا أن بلادهم ستواصل الضغط الدبلوماسي لكشف «الأنشطة الإيرانية الخفية»، بالتعاون مع الدول التي تعرضت محاولاتها الأمنية للخطر. وقالت المتحدثة باسم الوزارة في تل أبيب إن «إيران لم تعد قادرة على الاختباء خلف ستار الإنكار، والعالم بدأ يدرك حجم الخطر الذي تشكله أذرعها العسكرية».
رسالة إسرائيلية للعالم
وختم «الموساد» بيانه بالتأكيد على أن «إسرائيل ستواصل، بالتعاون مع شركائها الأمنيين حول العالم، إحباط أي تهديدات نابعة من إيران ووكلائها»، مضيفًا أن الجهاز «سيستخدم كل الوسائل المتاحة لحماية مواطني إسرائيل والمجتمعات اليهودية في الخارج».
وأضاف البيان أن الحملة الدولية المتواصلة ضد الإرهاب الإيراني «تحرم طهران من أي فرصة للإنكار، وتُكلفها خسائر سياسية واقتصادية متزايدة»، مشيرًا إلى أن «فضح آلية ساردار عمار» يعد خطوة مهمة نحو تفكيك البنية الإرهابية التي يستخدمها النظام الإيراني كأداة ضغط على الساحة العالمية.
وبينما تتواصل التحقيقات في الدول الثلاث حول خيوط تلك الشبكة، يرى محللون أن هذا الكشف يشير إلى مرحلة جديدة من المواجهة بين إسرائيل وإيران، لا تدور رحاها في ساحات المعارك التقليدية فحسب، بل تمتد إلى دهاليز الاستخبارات والدبلوماسية الدولية، حيث يسعى كل طرف لتقويض نفوذ الآخر وكشف أوراقه أمام العالم.