رضوان السيد يكتب: غزة و«حماس» ومأساة الارتباط!
جاء إلى أطراف غزة، لجهة الكيان، نائب الرئيس الأميركي ومبعوثه وصهره، وتمركز قبلهم مائتا جندي أميركي، وكل ذلك لتنفيذ الاتفاق الذي وضعه الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ويكون على الآخرين إحقاقه. يقال إن الأميركيين جاءوا لحماية الاتفاق من نتنياهو ووزرائه المتطرفين. وحسب تصريحاتهم، فهم متفائلون بصمود الاتفاق، لكنهم لا يعرفون تفاصيل الاستمرار والمراحل التالية. هم يخافون من إسرائيل على الاتفاق لكنهم يهددون «حماس» بالإبادة إن أخلّت بتعهدات الإنفاذ! وقد كانوا يقولون: نزع سلاح «حماس»، والترحيل من غزة، أما الآن فيقولون: إن ألْقت السلاح فلا بأس بالاستمرار في غزة! ولأنّ أحداً لا يعرف متى تأتي القوات التي ستدخل إلى غزة من أجل الأمن والإدارة، فلن يحصل في الغالب ما يأمله سكان غزة قبل غيرهم: الخلاص من «حماس» اليوم وغداً وبعد غد! ومنطق «حماس» مثل منطق «حزب الله» في لبنان: نحن مواطنون أو سكان أصليون ومن حقنا الاستمرار!
منذ عام 2007 حين استولت «حماس» على غزة بعد أن كانت إسرائيل قد خرجت منها عام 2005، والعرب يحاولون اتقاء الشر الحاصل والقادم تحت عنوان: استعادة وحدة الصف الفلسطيني. رأى الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز أن هؤلاء يخشون الله وسفك الدم فأخذهم إلى مكة عام 2008، حيث عقدوا عهد مكة وأقسموا على الوفاء داخل البيت الحرام، لكنهم انصرفوا بعده مباشرةً لنقض العهد بحجة الانشغال بالاشتباك مع إسرائيل. وبعد المملكة دأب المصريون والقطريون حتى الأتراك على التدخل دونما فائدة. ووصل الأمر إلى اتفاقات في روسيا والصين دونما فائدة. الحماسيون يريدون السلطة؛ مهما كان حجمها أو مقدراتها على الطريقة القديمة: حبّذا الإمارة ولو على الحجارة! وغزة بالفعل صارت كومةً من الحجارة بفضل بطولات «حماس» وإسرائيل بالطبع!
عام 2008 كان المطلوب من «حماس» فقط أن تكفَّ عن استخدام السلاح في الشارع الفلسطيني، ولا تعارض محاولات استكمال اتفاقيات أوسلو، وتدع هذه المماحكة لإسرائيل. فأيُّ الأمرين أحقُّ بالاعتبار ما كانت المفاوضات تجري عليه أو الوضع الآن، حيث خسر القطاع أكثر من سبعين ألف قتيل، فضلاً عن الخراب الفظيع، وتراقبه الآن أميركا وإسرائيل وليس إسرائيل فقط؟
لا حياة لغزة مع «حماس»، ونحن نعرف ذلك منذ التسعينات من القرن الماضي حين كان الحماسيون يشنون هجمات انتحارية على المدنيين الإسرائيليين لإفشال اتفاق أوسلو. وهذا إجرامٌ، خصوصاً أنه تم باسم الدين أو الإسلام.
صار العالم يسمي الميليشيات التي تتحرك باسم الإسلام: حركات الإسلام السياسي. وهي تنازع بالدرجة الأولى الدول والسلطات الوطنية لأنها تريد الحلول محلّها في فلسطين وسوريا ولبنان واليمن. لكنها ولكي تؤكد شرعيتها تتحرش بإسرائيل فتنشب الحرب ويموت الناس ويخرب العمران ثم يعودون للتفاوض مع العدوّ على هُدَن؟ في حين لا يتصالحون أبداً مع السلطات الوطنية. ويظل لهم جمهور بوصفهم يقاتلون العدوّ من حينٍ لآخر. وقد ذكرنا مراراً الجهود الجبارة التي بذلتها الدول العربية من أجل وقف النار مع العالم كلّه وبخاصةٍ مع الولايات المتحدة. وما كادت النار تخفت دونما انطفاء حتى عادت «حماس» للقتل كما فعلت وتفعل منذ عام 2007.
تستطيع الميليشيات أن تنشئ سلطةً قامعةً لكنها لا تستطيع إقامة دولة أو حتى المشاركة فيها بشروط السلم وأمن الناس واستقرارهم وحرياتهم. ولأنها هي والاحتلال الإسرائيلي ضد السلطة الفلسطينية، بدا مع الوقت كأنما لا بديل لـ«حماس». لكن مع الاعتراف بضعف السلطة الفلسطينية فإنّ أحداً من مريدي الحياة للشعب الفلسطيني يستطيع التسليم بخيار «حماس» في فلسطين أو بخيار «حزب الله» في لبنان أو بخيار «الحوثيين» في اليمن.
وهكذا فإنّ بقاء الميليشيات باسم الإسلام في الدول والمجتمعات ليس شديد الإضرار بالدول فقط؛ بل بالدين أيضاً. إسرائيل تُعادي «حماس» كما تعادي السلطة الفلسطينية من أجل الإبقاء على الاحتلال وإنجاز الضمّ، أما العنف باسم الدين فتُعاديه سائر دول العالم. وهو العلة في صعود الإسلاموفوبيا. ولذلك فإنّ «حماس» مخوفةٌ على الدين، ومخوفة هي وأمثالها من جانب العالم كله، وتجلب على ديننا أمواجاً من العداء والكراهية.
لا تدخل الدول العربية والإسلامية إلى غزة لوقف الحرب والإغاثة وإعادة الإعمار. بل تدخل أيضاً لفك الارتباك القسري بين القطاع و«حماس»، وإن لم يحصل ذلك فسيظل عناء العنف والانحراف الديني في غزة وخارجها باقياً أبداً.
نقلًا عن صحيفة الشرق الأوسط