أسعار النفط ترتفع بدعم من تراجع المخزونات الأمريكية وتطورات جيوسياسية عالمية

سجلت أسعار النفط العالمية ارتفاعًا ملحوظًا خلال تعاملات الأربعاء، مدعومة بانخفاض مخزونات الخام الأميركية إلى أدنى مستوياتها منذ أواخر سبتمبر، مما عزز التوقعات بتوازن السوق رغم المخاوف المستمرة من حدوث فائض في الإمدادات العالمية.
وأظهرت البيانات الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن إجمالي مخزونات النفط في الولايات المتحدة تراجع بنحو 4.2 مليون برميل خلال الأسبوع الماضي، ليصل إلى أدنى مستوى له منذ نحو شهر، متوافقًا مع تقديرات معهد البترول الأميركي.
هذا التراجع في المخزونات انعكس إيجابيًا على حركة الأسعار، إذ ارتفع خام غرب تكساس الوسيط الأميركي بنسبة 1% ليستقر فوق 58 دولارًا للبرميل، بينما صعد خام برنت القياسي العالمي بنسبة 2% ليستقر قريبًا من 63 دولارًا للبرميل.
وقالت ريبيكا بابين، كبيرة متداولي الطاقة في مجموعة CIBC Private Wealth Group، إن "انخفاض المخزونات الأميركية كان كافيًا لدعم السوق مؤقتًا، لكنه لا يمثل حافزًا قويًا لموجة صعود جديدة، خاصة في ظل توقعات المتداولين بزيادة المخزونات مجددًا خلال الأسابيع المقبلة".
ورغم هذا الارتفاع، ما تزال أسعار النفط تتجه نحو تسجيل خسائر شهرية للشهر الثالث على التوالي، بسبب الضغوط الناتجة عن توقعات بوجود فائض عالمي في المعروض، وهو ما دفع الولايات المتحدة إلى إعادة شراء مليون برميل من الخام لتعزيز احتياطياتها الاستراتيجية خلال شهري ديسمبر ويناير المقبلين.
في المقابل، تلقت الأسعار دعمًا إضافيًا من أنباء عن اقتراب الولايات المتحدة والهند من توقيع اتفاق تجاري جديد قد يدفع نيودلهي إلى تقليص وارداتها من النفط الروسي بشكل تدريجي.
وتُعد الهند من أكبر مستوردي الخام الروسي منذ بداية الحرب في أوكرانيا، إلا أن الاتفاق المرتقب مع واشنطن قد يُعيد رسم خريطة التجارة النفطية في آسيا، ما يفتح الباب أمام زيادة الطلب على الإمدادات الأميركية والشرق أوسطية.
وتشير تقارير إلى أن الاتفاق المنتظر سيشمل خفضًا تدريجيًا في الرسوم الجمركية وتوسيع التعاون في قطاع الطاقة والتقنيات النظيفة، الأمر الذي قد ينعكس على توازنات سوق النفط العالمي خلال عام 2025.

كما عززت الأسعار توقعات باقتراب قادة الاتحاد الأوروبي من إقرار حزمة العقوبات التاسعة عشرة ضد روسيا خلال القمة الأوروبية المرتقبة، بعدما تراجعت سلوفاكيا عن اعتراضاتها السابقة.
ويُتوقع أن تشمل هذه العقوبات قيودًا جديدة على تجارة النفط الروسي وبعض مشتقاته، وهو ما قد يُسهم في تشديد المعروض العالمي ورفع الأسعار على المدى القصير.
بالتوازي مع ذلك، شنت روسيا سلسلة من الهجمات بالطائرات المسيّرة والصواريخ على أوكرانيا، ما زاد من حالة التوتر الجيوسياسي وأثار مخاوف بشأن استقرار تدفقات الطاقة من المنطقة.
وفي سياق متصل، تقلّص الفارق بين عقود خام غرب تكساس الوسيط تسليم الشهر التالي والعقود اللاحقة، وهو ما يُعرف في الأسواق بـ"الفارق الفوري" (Backwardation)، في إشارة إلى استمرار شح الإمدادات على المدى القريب، بينما يعكس السوق توقعات بزيادة المعروض على المدى المتوسط.
وينطبق هذا الاتجاه أيضًا على خام برنت الذي لا يزال يحتفظ بهيكله الصعودي قصير الأجل، مما يعكس تحسنًا نسبيًا في الطلب الفعلي في مقابل مخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي.
رغم المكاسب الحالية، لا تزال أسواق النفط العالمية في حالة توازن هش بين عوامل الدعم والضغط. فبينما يدعم انخفاض المخزونات الأميركية والاتفاقات التجارية الجديدة الأسعار مؤقتًا، تظل مخاوف الفائض العالمي وضعف الطلب الصناعي قائمة، مما يجعل أي ارتفاعات مقبلة محكومة بعوامل سياسية واقتصادية متغيرة.