مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

سرقة جريئة في باريس.. اللصوص يسطون على مجوهرات نابليون وأوجيني باللوفر

نشر
الأمصار

في واقعة صادمة أعادت للأذهان أكثر حوادث السرقة جرأة في التاريخ، شهد متحف اللوفر في باريس، صباح الأحد، عملية سطو محكمة نفذها عدد من اللصوص الملثمين، استهدفوا خلالها مجموعة نادرة من مجوهرات نابليون بونابرت والإمبراطورة أوجيني، إحدى أبرز مقتنيات المتحف وأغلاها قيمة من الناحية التاريخية والثقافية.

ووفقًا للتقارير الفرنسية الصادرة عن صحف محلية أبرزها «لو باريزيان»، فإن العملية تمت في ساعات الصباح الأولى وسط دهشة إدارة المتحف وحراسة الأمن، دون تسجيل أي إصابات بين الزوار أو العاملين، بينما تمكن الجناة من الفرار حاملين معهم قطعًا فنية ومجوهرات تقدر قيمتها بملايين اليوروهات، وتُعد من الكنوز النادرة التي لا تُقدر بثمن.

تفاصيل العملية الدقيقة

تشير المعلومات الأولية إلى أن ما بين ثلاثة إلى أربعة لصوص شاركوا في العملية، حيث تمكنوا من دخول المتحف الواقع على ضفاف نهر السين حوالي الساعة التاسعة والنصف صباحًا بالتوقيت المحلي. واستخدم الجناة — بحسب التحقيقات — مصعد شحن جانبي للوصول مباشرة إلى قاعة أبولو الشهيرة، وهي القاعة التي تضم مجموعة المجوهرات الإمبراطورية المستهدفة.

وبعد اقتحام القاعة، قام اثنان من اللصوص بتحطيم النوافذ الزجاجية التي تغطي القطع الثمينة، مستخدمين أدوات دقيقة وسريعة، بينما تولّى الآخران مراقبة الممرات وتأمين المكان، ومنع اقتراب أي من الحراس أو الزوار. وتمكنوا خلال دقائق معدودة من الاستيلاء على تسع قطع فريدة، بينها قلادة ماسية، دبوس ذهبي مرصع بالأحجار الكريمة، وتاج إمبراطوري يُعتقد أنه للإمبراطورة أوجيني زوجة نابليون الثالث.

سبع دقائق غيّرت تاريخ اللوفر

بحسب تقديرات الشرطة الفرنسية، فإن العملية لم تستغرق أكثر من سبع دقائق فقط، وهي مدة كافية لتنفيذ خطة مدروسة مسبقًا بدقة متناهية. وفرّ الجناة على متن دراجات نارية كانت تنتظرهم خارج المتحف في ساحة الكاروسيل القريبة، قبل أن تختفي عن الأنظار وسط شوارع باريس المزدحمة.

وفي وقت لاحق من اليوم، عُثر على إحدى القطع المسروقة خارج المتحف، وتبين أنها تاج الإمبراطورة أوجيني وقد تعرض للكسر، ما يرجّح أن الجناة أسقطوه أثناء الهروب أو تخلصوا منه بعد أن تسبب في إعاقة تحركهم. كما تم العثور على إحدى الدراجات النارية المهجورة في أحد الأزقة القريبة، وتعمل فرق الأدلة الجنائية على تحليل آثار الحمض النووي والبصمات عليها.

إغلاق المتحف وتحقيقات مكثفة

أعلنت إدارة متحف اللوفر على الفور إغلاق أبوابه أمام الزوار حتى نهاية اليوم، وسط إجراءات أمنية مشددة وانتشار مكثف للشرطة في محيط المبنى. وأكد بيان رسمي صادر عن المتحف أن السلطات تعمل بالتنسيق مع وزارة الداخلية الفرنسية والشرطة القضائية لكشف ملابسات الحادث واستعادة القطع المسروقة في أسرع وقت ممكن.

وقال أحد المتحدثين باسم المتحف في تصريحات لوسائل الإعلام الفرنسية:"نحن أمام عملية منظمة ودقيقة، يبدو أن منفذيها كانوا على دراية كاملة بتفاصيل القاعات وأنظمة الحماية ومسارات الطوارئ. ما يشير إلى أنهم زاروا المكان مسبقًا واستطلعوا الموقع بعناية".

وأضاف أن "المجموعة المسروقة تضم قطعًا تعود إلى الحقبة النابليونية، بعضها كان يُعرض للمرة الأولى بعد عمليات ترميم طويلة، وتمثل جزءًا من ذاكرة فرنسا الإمبراطورية".

شهادات الزوار.. لحظات من الذعر والفوضى

روى عدد من الشهود العيان الذين تواجدوا في المتحف لحظة الحادث أنهم سمعوا أصوات تحطيم زجاج وصفارات إنذار عالية، ما تسبب في حالة من الذعر والفوضى داخل القاعات. وقال أحد الزوار لصحيفة "لوموند":"رأينا الناس يركضون في كل الاتجاهات، البعض ظن أن هناك هجومًا إرهابيًا، وآخرون احتموا خلف الجدران أو حاولوا الخروج عبر السلالم القريبة من الهرم الزجاجي الشهير."

وأظهرت مقاطع فيديو تداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد للحظات الإخلاء العاجلة، حيث تدخلت قوات الأمن بسرعة لإبعاد الزوار وتأمين المداخل الرئيسية، في حين كانت سيارات الشرطة والإسعاف تحيط بالمكان تحسبًا لأي طارئ.

الماسة التي نجت من السرقة

رغم فداحة الخسارة، أكدت مصادر داخل المتحف أن الماسة الأكبر في المجموعة الإمبراطورية، والتي يتجاوز وزنها 140 قيراطًا، لم تُمس وظلت في مكانها داخل خزانة عرض محصّنة بزجاج مضاد للرصاص. وتُعد هذه الماسة من أبرز رموز الثراء والفخامة في عهد نابليون الثالث، وتقدر قيمتها السوقية بعشرات الملايين من اليوروهات.

تاريخ طويل من السرقات النادرة

ويُعد متحف اللوفر، الذي تأسس عام 1793، أكثر المتاحف زيارة في العالم، إذ يستقبل أكثر من تسعة ملايين زائر سنويًا، ويضم ما يزيد على 33 ألف عمل فني من مختلف العصور. 

ورغم أن نظم الأمان فيه تعد من الأكثر تطورًا في أوروبا، إلا أن تاريخه شهد حوادث سرقة نادرة كان أشهرها عام 1911، حين أقدم موظف سابق بالمتحف على سرقة لوحة الموناليزا، قبل أن تُستعاد بعد عامين في مدينة فلورنسا الإيطالية.

ويقول مؤرخ الفن الفرنسي "أوليفييه بارتو" إن ما حدث "يؤكد أن المتاحف الكبرى رغم تطورها التقني تظل أهدافًا مغرية للّصوص، خاصة عندما يتعلق الأمر بقطع صغيرة يسهل تهريبها وإعادة بيعها عبر السوق السوداء أو المزادات غير الرسمية".

سلسلة من السرقات تضرب المتاحف الفرنسية

وتأتي سرقة مجوهرات اللوفر ضمن سلسلة حوادث مماثلة شهدتها فرنسا مؤخرًا. ففي منتصف سبتمبر الماضي، تعرض المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي في باريس لاقتحام من قبل مجموعة مجهولة سرقت قطعًا ذهبية نادرة تُقدر قيمتها بـ 600 ألف يورو. كما شهد متحف ليموج في الشهر ذاته حادثة مشابهة قُدرت خسائرها بنحو 6.5 مليون يورو.

هذه الوقائع، وفق محللين أمنيين، تعكس تصاعد نشاط العصابات المتخصصة في سرقة التحف والمجوهرات التاريخية، والتي تعتمد على شبكات تهريب دولية لإعادة بيع المسروقات خارج أوروبا، خصوصًا في الأسواق الآسيوية.

ردود فعل رسمية واستنفار أمني

من جانبه، وصف وزير الثقافة الفرنسي الحادث بأنه "ضربة موجعة للتراث الوطني الفرنسي"، مؤكداً أن الحكومة ستكثف الإجراءات الأمنية في جميع المتاحف والمعارض خلال الفترة المقبلة. 

وأشار إلى أنه تم تشكيل خلية أزمة مشتركة تضم ممثلين عن الشرطة الجنائية، ووزارة الثقافة، وإدارة المتاحف الفرنسية لمتابعة التحقيقات.

كما أعلن عمدة باريس أن المدينة ستعيد تقييم منظومة المراقبة في جميع المواقع السياحية الكبرى، بما في ذلك الكاميرات الذكية وأجهزة الاستشعار الحراري التي يمكنها كشف التحركات غير المعتادة ليلاً ونهارًا.

الأمل في استعادة المسروقات

ورغم الغموض الذي يلف مصير المجوهرات الإمبراطورية، فإن السلطات الفرنسية تعرب عن تفاؤل حذر بإمكانية استعادتها، مستندة إلى سوابق ناجحة في استرجاع أعمال فنية مسروقة خلال السنوات الماضية، بفضل التعاون الدولي بين أجهزة الشرطة الأوروبية (يوروبول) والإنتربول.

ويبقى السؤال المطروح: كيف تمكنت مجموعة من اللصوص من اختراق واحد من أكثر المتاحف تحصينًا في العالم؟ وهل هناك تواطؤ داخلي أو ثغرة أمنية لم تُكتشف بعد؟ أسئلة تنتظر الإجابة بينما يترقب عشاق الفن حول العالم نتائج التحقيقات في أكبر سرقة يشهدها متحف اللوفر منذ أكثر من قرن.