مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

محاولة انقلاب في مدغشقر.. انضمام جنود للاحتجاجات وتفاقم الغضب الشعبي

نشر
الأمصار

في مشهد يعيد للأذهان الأزمات السياسية التي عصفت بجمهورية مدغشقر على مدار العقود الماضية، أعلن الرئيس أندري راجولينا، مساء الأحد، أن بلاده تشهد «محاولة لانتزاع السلطة بشكل غير قانوني وبالقوة»، في إشارة إلى تحركات احتجاجية وعسكرية متصاعدة تهدد استقرار الجزيرة الواقعة في المحيط الهندي.

وقال الرئيس راجولينا في بيان رسمي بثّ عبر وسائل الإعلام المحلية: «تُبلغ رئاسة الجمهورية الأمة والمجتمع الدولي بأن محاولة لانتزاع السلطة بشكل غير قانوني وبالقوة، بما يتناقض مع الدستور والمبادئ الديمقراطية، تجري حالياً على التراب الوطني». وأضاف أن الحكومة «لن تتهاون أمام أي محاولة انقلابية تستهدف مؤسسات الدولة أو وحدة البلاد».

تصاعد الأزمة بعد انضمام الجنود للمتظاهرين

تأتي تصريحات الرئيس بعد يوم واحد فقط من تصعيد غير مسبوق، إذ انضم جنود من وحدة "كابسات" العسكرية قرب العاصمة أنتاناناريفو إلى آلاف المحتجين المناهضين للحكومة، في مشهد أثار مخاوف داخلية ودولية من احتمال انزلاق البلاد إلى مواجهة مفتوحة بين الجيش والسلطة.

وذكرت مصادر ميدانية أن الجنود أعلنوا «رفضهم تنفيذ أوامر إطلاق النار» على المتظاهرين، داعين زملاءهم في القوات المسلحة إلى العصيان، وهو ما اعتبره مراقبون تطوراً خطيراً في مسار الأزمة. 

وقد رحّب المتظاهرون بانضمام العسكريين إليهم، وخرجت الحشود بهتافات مؤيدة للجيش، قبل أن تتجه في مسيرات ضخمة نحو ساحة 13 مايو/أيار أمام مقر بلدية العاصمة، وهي الساحة ذاتها التي شهدت عام 2009 انتفاضة شعبية أطاحت بالرئيس السابق مارك رافالومانانا وأوصلت راجولينا نفسه إلى الحكم.

ويرى محللون أن هذه المفارقة تعكس عمق المأزق السياسي في مدغشقر، إذ يتكرر المشهد ذاته بعد أكثر من 15 عاماً، لكن هذه المرة ضد الرجل الذي كان يوماً على رأس حركة التمرد.

حكومة جديدة وسط فوضى متصاعدة

في ظل هذه التطورات، أكد رئيس الوزراء الجديد روفين زافيسامبو، الذي عيّنه راجولينا مؤخراً، أن الحكومة «صامدة ومتمسكة بالشرعية»، مشيراً إلى أنها «مستعدة للحوار مع كل الأطراف، من الشباب إلى النقابات والعسكريين»، في محاولة لاحتواء الأزمة المتفاقمة.

غير أن هذه الدعوات لم تلقَ استجابة فورية من قادة الاحتجاجات الذين يواصلون حشد الشارع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مؤكدين أن مطالبهم «اقتصادية واجتماعية بالأساس» وليست سياسية.

حركة "الجيل زد" في طليعة الاحتجاجات

وتقود المظاهرات حركة شبابية تُعرف باسم «الجيل زد»، ظهرت خلال الأشهر الماضية عبر منصات التواصل، احتجاجاً على تدهور الأوضاع المعيشية في البلاد. 

وتطالب الحركة بتحسين الخدمات الأساسية، ووقف الانقطاعات المستمرة في المياه والكهرباء التي طالت معظم مناطق العاصمة.

ومع تصاعد الأزمة، خرجت التظاهرات عن إطارها الاجتماعي لتتحول إلى احتجاجات سياسية ضد الرئيس راجولينا وحكومته.

 وتشير تقارير إعلامية محلية إلى أن آلاف المواطنين يشاركون يومياً في المسيرات بالعاصمة أنتاناناريفو، رافعين شعارات تطالب باستقالة الحكومة، بينما تكتفي السلطات بتعزيز وجودها الأمني حول المؤسسات الحيوية دون مواجهة مباشرة حتى الآن.

جذور الأزمة السياسية

تعود جذور التوتر في مدغشقر إلى تاريخ طويل من الأزمات والانقلابات، إذ تولى الرئيس الحالي أندري راجولينا (51 عاماً) السلطة لأول مرة عام 2009 بعد انقلاب أطاح بالرئيس المنتخب مارك رافالومانانا، ليحكم البلاد حتى عام 2014. ثم عاد إلى السلطة مجدداً عقب فوزه في الانتخابات الرئاسية لعام 2018، وتم تجديد ولايته في انتخابات 2023.

لكن فترته الأخيرة شهدت تراجعاً اقتصادياً واضحاً، وتدهوراً في الخدمات العامة، وارتفاع معدلات البطالة والفقر، مما فجر حالة استياء شعبي واسعة.

وفي محاولة لامتصاص الغضب، أقال راجولينا حكومته في 29 سبتمبر/أيلول الماضي، واعتذر علناً عن «تقاعس الوزراء في مواجهة الأزمات»، متعهداً بإصلاحات عاجلة تشمل تحسين البنية التحتية ومعالجة أزمات المياه والكهرباء. إلا أن تلك الوعود لم تُجدِ نفعاً، إذ تواصلت التظاهرات وازدادت حدتها.

ضحايا وتصاعد في العنف

بحسب بيانات الأمم المتحدة، أسفرت الاحتجاجات منذ اندلاعها في 25 سبتمبر/أيلول الماضي عن مقتل ما لا يقل عن 22 شخصاً، وإصابة أكثر من 100 آخرين. في المقابل، تحدث الرئيس راجولينا عن 12 قتيلاً فقط وصفهم بأنهم «مخرّبون ولصوص استغلوا الفوضى».

ويشير مراقبون إلى أن تضارب الأرقام يعكس حالة الانقسام السياسي الحاد داخل البلاد، ويثير مخاوف من احتمالية اندلاع مواجهات أعنف في الأيام المقبلة، خصوصاً مع تزايد الدعوات على وسائل التواصل الاجتماعي للعصيان المدني.

أصداء دولية ودعوات للتهدئة

على الصعيد الدولي، دعت الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وعدد من الدول الغربية إلى ضبط النفس والحفاظ على المسار الديمقراطي في البلاد، محذّرين من أن أي انزلاق نحو العنف قد يهدد الاستقرار في منطقة المحيط الهندي بأكملها.

وقالت المتحدثة باسم الأمم المتحدة في بيان إن «المنظمة تتابع عن كثب تطورات الوضع في مدغشقر، وتدعو جميع الأطراف إلى الحوار السلمي واحترام الدستور». كما أبدى الاتحاد الإفريقي «قلقه العميق» إزاء ما وصفه بـ«محاولة لزعزعة استقرار مؤسسات الدولة المنتخبة».

وفي السياق ذاته، دعا عدد من الزعماء الأفارقة إلى عقد قمة طارئة لبحث الأزمة، وسط تحركات دبلوماسية يقودها الاتحاد الإفريقي لتجنب انزلاق البلاد إلى صراع داخلي قد تكون له تداعيات على الأمن الإقليمي.

مخاوف من تكرار سيناريو 2009

يخشى المراقبون في العاصمة أنتاناناريفو من أن تتطور الاحتجاجات الحالية إلى انقلاب جديد، يعيد البلاد إلى دائرة الانقلابات التي طبعت تاريخها السياسي منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960. فقد شهدت مدغشقر خلال العقود الستة الماضية أكثر من خمس محاولات انقلاب، كانت جميعها مرتبطة بصراعات على السلطة بين النخب السياسية والعسكرية.

ويشير خبراء إلى أن ولاء الجيش سيكون العامل الحاسم في مستقبل الأزمة الحالية، خاصة بعد أن أبدت وحدات عسكرية استعدادها للعصيان. ويرى البعض أن التحاق الجنود بالمتظاهرين «ليس مجرد تضامن شعبي، بل مؤشر على تآكل الثقة داخل المؤسسة العسكرية تجاه القيادة السياسية».

مستقبل غامض

في ظل الانقسامات الحادة والتدهور الاقتصادي، يبدو مستقبل مدغشقر مفتوحاً على جميع الاحتمالات. فبينما يسعى الرئيس راجولينا لتثبيت شرعيته والدعوة للحوار، يتمسك المحتجون بمطلب رحيله، في وقت تخشى فيه القوى الإقليمية من أن يؤدي أي فراغ في السلطة إلى حالة من الفوضى تهدد الأمن في المحيط الهندي.

ويقول مراقبون إن الأزمة الحالية تمثل اختباراً حقيقياً لقدرة الدولة على تجاوز إرث الانقلابات، وإعادة بناء مؤسساتها على أسس ديمقراطية مستقرة، فيما يبقى الشارع الغاضب هو الفاعل الأبرز في معادلة سياسية غير محسومة حتى الآن.