مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

الميليشيا البوليفارية.. "جيش الأب" يقف على خطوط التماس بين فنزويلا وواشنطن

نشر
الأمصار

مع تصاعد التوترات بين فنزويلا والولايات المتحدة وتنامي المخاوف من انزلاق الموقف نحو صراع مباشر، تعود إلى الواجهة الميليشيا البوليفارية، تلك القوة الشعبية التي أنشأها الرئيس الراحل هوغو تشافيز مطلع الألفية، لتكون بمثابة الدرع الداخلي للنظام الثوري في مواجهة أي تهديد خارجي أو داخلي.

ورغم ما يُثار حول قدراتها القتالية المحدودة، فإنها اليوم تمثل ورقة ردع رمزية تحمل أبعاداً سياسية واجتماعية تفوق وزنها العسكري.

قوة من رحم الثورة

تأسست الميليشيا البوليفارية عام 2008 بقرار من تشافيز لتكون قوة دعم للجيش النظامي، تضم في صفوفها المدنيين الموالين للثورة البوليفارية، هدفها المعلن هو "الدفاع عن الوطن ضد أي عدوان إمبريالي"، بينما يرى مراقبون أنها أداة لتعزيز قبضة الحزب الاشتراكي الموحد على مفاصل الدولة والمجتمع.

وتشير التقديرات الرسمية إلى أن عدد عناصر الميليشيا تجاوز مليوني فرد، لكن تقارير مستقلة تقول إن الأرقام الفعلية أقل بكثير، وإن معظم أفرادها من المتقاعدين وكبار السن، الذين لم يتلقوا تدريبات عسكرية كافية.

"جيش الأب".. بين السخرية والإصرار

تُعرف هذه المجموعات في الشارع الفنزويلي بلقب "جيش الأب"، في إشارة إلى متوسط أعمار أفرادها المرتفع، حيث تضم أعداداً كبيرة من الرجال والنساء المتقدمين في السن ممن خدموا سابقاً في القوات المسلحة أو شاركوا في الحركات الثورية اليسارية.

ومن بين هؤلاء رافائيل أستوديلو، الجندي السابق في الجيش الفنزويلي، الذي يقود وحدة ميليشياوية في ضواحي كاراكاس. يقول أستوديلو في تصريحات صحفية إنهم "مستعدون للدفاع عن البلاد بالسلاح المتاح، ولو كان بسيطاً"، مؤكداً أن "الكرامة الوطنية لا تُقاس بعدد الطائرات، بل بإرادة المقاومة".

واشنطن.. وهاجس "الذراع الشعبية" لمادورو

تعتبر الولايات المتحدة الميليشيا البوليفارية خطرًا متناميًا على الأمن الإقليمي، خصوصاً بعد إعلان الرئيس نيكولاس مادورو العام الماضي عن توسيع صلاحياتها وتسليحها بأسلحة خفيفة ومتوسطة.

وترى واشنطن أن هذه الخطوة تعزز احتمالات تحول الميليشيا إلى جيش موازٍ قد يُستخدم لقمع المعارضة في الداخل أو لتوسيع نفوذ فنزويلا في أمريكا اللاتينية عبر حلفاء مثل كوبا ونيكاراغوا.

في المقابل، تدافع الحكومة الفنزويلية عن هذه القوات باعتبارها "درعاً سيادياً"، مؤكدة أنها جزء من العقيدة الدفاعية الوطنية، وليست أداة هجومية.

تحديات واقعية وضعف لوجستي

رغم الخطاب الثوري الحاد، تواجه الميليشيا البوليفارية صعوبات كبيرة في التدريب والتسليح، نظراً للأزمة الاقتصادية الخانقة التي تضرب البلاد منذ سنوات.

وتُظهر تقارير ميدانية أن كثيراً من أفرادها لا يمتلكون سوى أسلحة خفيفة أو شبه عاطلة، وأن تدريباتهم تقتصر على مناورات رمزية.

لكن الحكومة تراهن على العنصر المعنوي، إذ تُستخدم الميليشيا لتعزيز روح الولاء للنظام وخلق صورة لمجتمع مقاوم قادر على الصمود في وجه "التهديد الأمريكي".

سيناريوهات الصراع المحتمل

مع استمرار الضغوط الأمريكية على نظام مادورو، وفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية، تبدو احتمالات التصعيد قائمة، خصوصاً في ظل وجود قوات أمريكية قريبة من الحدود الفنزويلية ضمن تدريبات مشتركة مع كولومبيا.

ويرى محللون أن أي مواجهة عسكرية مباشرة ستكشف محدودية قدرات الميليشيا البوليفارية، لكنها في الوقت ذاته قد تُستخدم لتأجيج الروح الوطنية وتعبئة الشارع ضد "العدو الخارجي".

بين السخرية التي تلاحقها باسم "جيش الأب"، والإصرار الرسمي على تسويقها كـ"حائط صد ثوري"، تظل الميليشيا البوليفارية أحد أبرز مظاهر الأزمة الفنزويلية المعقدة: مزيج من الأيديولوجيا، والعجز الاقتصادي، والرغبة في البقاء.

وفي بلد يعيش بين الولاء لتشافيز والخوف من عزلة مادورو، تبدو هذه الميليشيات أقرب إلى رمز سياسي منها إلى قوة عسكرية فاعلة، لكنها تظل مؤشراً على أن فنزويلا تستعد – بطريقتها – لسيناريوهات ما بعد الهدوء الهش مع واشنطن.